تعليقات سريعة على الاستعراض الأمريكي في سوريا
هو استعراض لا أكثر، مدته ساعتان لا غير. حوالي 100 صاروخ لا تغير شيئا في معادلات المشهد السوري. لا وجود لقتلى، والمطارات لم تتأثر؛ باعتراف النظام والروس. تم إبلاغ الروس بالأمر مسبقا. لم يُستهدف أيٌ من حلفاء النظام. الاستهداف تم لمواقع (أكثرها مدمر أصلا؛ حسب موسكو) يُروج أنها ذات صلة بالسلاح الكيماوي الذي جرى التخلص من أكثره أصلا بعد مجزرة الغوطة الشرقية في 2013، وعن طريق أوباما ولصالح الكيان الصهيوني.
لم يتأثر النظام، ولم تتغير موازين القوى على الأرض، وبعد ساعات ظهر بشار في القصر، وليس في الخندق. ظهر بالبدلة الأنيقة وربطة العنق!! بينما اكتفى إعلامه والإعلام الروسي بالاستعراض عبر الحديث عما تم اعتراضه من الصواريخ، وبالمنظومات الدفاعية الروسية القديمة!!
وصف ما جرى بـ”العدوان الثلاثي” كان استعراضا آخر من قبل النظام، فلا مقارنة بين زفة ساعتين، لم تفعل شيئا، وبين العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
ما جرى هو نتاج فرض الدولة العميقة في أمريكا لرأيها على ترامب، وقد كشفت “سي أن أن”، أن كبار الجنرالات ومعهم وزير الدفاع كانوا ضد التصعيد، ووافقوا فقط على ضربات رمزية، وهو ما كان بالفعل.
نذكّر بما قلناه بالأمس، وهو أن هناك إجماعا بين القوى الكبرى على بقاء النظام، وهذا لا شك فيه، والنظام بالطبع ليس بشار، ولو مات الأخير غدا بجلطة قلبية لما تغير شيء، فسيأتي آخر من ذات البنية العلوية الطائفية الأمنية، كما جاء بشار نفسه بقرار من البنية ذاتها بعد موت أبيه.
ما جرى أمس تذكير للشبيحة بهذه الحقيقة، وتذكير للطرف الآخر المظلوم الذي عوّل على الضربات، حتى لو كانت في سياق من الانتقام من القتلة، مع أنه انتقام لم يقع أيضا.
من الذي أوصل بعض شعوبنا إلى هذا الحال الذي تتمنى معه أن يأتي الانتقام من القتلة والطغاة من أي أحد، ولو كان شيطانا رجيما، وألد أعداء الأمة؟ إنها الثورة المضادة، ومعها خامنئي، وذلك بردهما على أحلام الشعوب بالموت والتدمير.
كنا ضد تدخلات أمريكا وكل القوى الإمبريالية، لكن أصوات التشبيح المؤدلجة تقف ضد تدخل أمريكا، ولكنها ترحّب بتدخل روسيا، رغم أنها قوة إمبريالية أيضا، ولا تختلف عن أمريكا في شيء، وهي ليست الاتحاد السوفياتي، وتتقبل تدخل إيران أيضا رغم مشروعها المذهبي المفضوح.
يبقى التذكير بما قلناه بالأمس ممثلا في أن المعركة في سوريا لا تزال طويلة، بحضور حشد من التناقضات بين عناصر القوى على الأرض (روسيا، إيران، أمريكا، تركيا، والفصائل السورية والشعب).
هناك حديث بدأ أمس حول استعادة مسار جنيف، لكن شياطين التفاصيل والتناقضات الهائلة ستجعل من التوصل إلى حل أمرا بالغ الصعوبة، والمؤكد أنه حلٌ لن يأتي إلا بتفاهم إقليمي عنوانه العرب وإيران وتركيا كما قلنا بالأمس، وهذا لا يبدو قريبا مع الأسف؛ بتيه العرب من جهة، وبإصرار خامنئي على مطاردة أوهامه (حتى الآن) من جهة أخرى، إلى جانب ورطة تركيا مع الأكراد، وحيرتها بين “الناتو” وبين روسيا. لكن هذا الحل هو الوحيد الذي يفتح باب الأمل لشعب سوريا، ولو في الحد الأدنى، ويوقف نزيف المنطقة وشعوبها، وما ترتب على ذلك كله من فوائد للصهاينة والقوى الخارجية.
الدستور - الاحد 15/4/2018