تمخض الجبل فولد فأرا.. ثم ماذا؟!
علق البعض بهذه العبارة كردّ فعل فوري على الضربة الجوية الثلاثية على سورية، وقد وجدت نفسي متفقا تماما معها، والآن علينا أن نبحث معنى النكوص الأميركي لضربة هي أقرب الى رفع العتب أعطت المحور الروسي السوري الإيراني حق الانتشاء بنصر إضافي، وقد كنا نحلل مفترضين أن هدف الضربة تحجيم آثار النصر الميداني للنظام في الغوطة الشرقية وإيقاف تقدمه عند هذا الحد لكي يبقى شيء للمعارضة وللغرب للمفاوضات التي سحبت من جنيف الى سوشي ومن الرعاية الأممية الى الرعاية الروسية.
دع عنك السجال التافه بشأن نجاح الضربة أو فشلها ميدانيا، فهي من الجانبين سخيفة. أكان التغني بإصابة الأهداف وتدمير المخزون الكيماوي وإعادة قدرات النظام سنين الى الوراء أو الادعاء بفشل العدوان وإسقاط 70 % من الصواريخ، فالفائز والخاسر تحددا سلفا في القرار بتحجيم الهجوم الى ضربة واحدة بساعة واحدة بعدد من الصواريخ لبضعة مواقع، ونحن نعرف أن ضرب القوات في الميدان هو العمل العسكري المؤثر، وغير ذلك فالخسائر غالبا لا تزيد على ثمن الصواريخ المستخدمة، وهي قابلة للتعويض بما في ذلك الكيماوي الذي لا يجوز أصلا قصفه لأنك تكون كما لو استخدمته لقصف المناطق ذاتها. وقد تم تقدير حجم الهجوم بضعف الهجوم على مطار الشعيرات الذي كان بالفعل ضربة تأديبية سريعة ردا على استخدام الغاز في خان شيخون، والمقارنة التذكيرية أرادتها المصادر الأميركية الرسمية لإعادة تعريف الهجوم بالحدود الضيقة التي جاء الهجوم السابق في سياقها، والحقيقة أن هذا ليس أبدا سياق الأحداث الأخيرة، وربما أراده كذلك فقط الفرنسيون والبريطانيون الذين لديهم مشكلة أكثر مع الرأي العام والالتزام بالتدخل ضمن حدود منع أو ردع جرائم ضد الإنسانية.
ضربة تأديبية لمنع استخدام الكيماوي ما أهميتها الآن في الحرب في سورية؟! الغاز لم يكن مهما ولم يحسم أي معركة في سورية، والنظام بغنى عنه تماما وهو -إذا استخدم فعلا- فقد كان مجرد تنويع سادي عارض لوسائل القتل. وتحجيم الضربة لا يعني بالضرورة أن مخططا محددا لهجوم أضخم كان موجودا، فما لدينا فقط هو تصريحات ترامب الذي قد يكون رغب بشيء ضخم، لكن عندما وصل الأمر الى البحث الملموس، حجم العسكريون طموح ترامب في ضوء العواقب المحتملة لمواجهة شاملة مع روسيا إذا تم شنّ هجوم واسع على القوات في الميدان. وقد يكون قد تم تسويق الوهم بأثر ضربة محدودة في تخويف الروس والنظام والحصول على نتائج سياسية مثل تلك المقدمة في مشروع القرار الفرنسي الجديد لمجلس الأمن، لكن الأثر الذي نراه هو نشوة النصر ومزيد من التحدي وتصريح بوتين بإرسال صواريخ اس اس 300 لسورية.
ومن مظاهر التخبط؛ تجاهل الضربة لموعد القمة العربية، وقيل إن ثمة من تمنى على الإدارة الأميركية تأجيل الضربة يومين حتى تمرّ القمة وهي بغنى عن إضافة موضوع خلافي، ونكتب الآن قبل صدور البيان الختامي، وقد يتم الأخذ بالموقف الأردني الذي امتنع عن دعم أو شجب الضربة، مؤكدا نبذ العنف والحل السياسي في سورية، لكن من الواضح أن ترامب لا يكترث لعقول العرب بل لجيوبهم. وقد كان الأردن يسعى مجددا لتثبيت القضية الفلسطينية على رأس جدول الأعمال، بعد أن أطيح بها أسفل الاهتمامات، وقد نجح بذلك في قمة البحر الميت العام الفائت، ويسعى لذلك الآن وهو يسلم رئاسة القمة للشقيقة السعودية. إن دولا عربية مهجوسة بالخطر الإيراني وتتوق لدور أميركي أقوى ضدها ستجد نفسها تؤيد الضربة، وهي مسألة لا تجني منها سوى تقوية إيران في سورية وعموم المنطقة.
السبيل - الاثنين 16/4/2018