روح رياضية ولعب نظيف!
من قال إنّ "الروح الرياضية" مقتصرة على ملاعب كرة القدم، فهي أيضاً حاضرة بقوة بين الدول والأمم الكبرى في ملاعب السياسة والحرب، وأبرز مثال على ذلك ما يحدث بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا في سورية!
خذ مثلاً على هذه الروح الرياضية، مشهد الفيديو الذي تناقله الناس للحوار الودّي والابتسامات والقبلة الأخوية بين مندوبة الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هالي، والسفير الروسي، فاسيلي نيبيزنيا، بعد أن قطّعا بعضهما بالشتائم والاتهامات في جلسة مجلس الأمن التي تناولت موضوع الأسلحة الكيماوية في سورية، وأفشل كلّ منهما مخططات الآخر لإصدار قرار من المجلس بما يخدم مصالح دولته، لكنّهما كأي لاعبين في فريقين محترمين قاما بعد المباراة بالمصافحة، وربما هنأ كلّ منهما زميله على أدائه في المباراة!
الروح الرياضية نفسها ظهرت -أيضاً- باللعب النظيف بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية خلال الضربات الجوية التي وجّهتها أميركا للنظام السوري؛ إذ تجنّبت تماماً أي احتمال لإصابة القوات الروسية، ما مكّن النظام السوري -وفقاً لصحيفة النيويورك تايمز- من نقل طائرات ومعدّات لمطارات روسية تجنباً للضربة الأميركية، بينما لم يقم الروس بالردّ على الهجوم الأميركي، ما جنّب الدولتين تداعيات غير متوقعة أو مقصودة من الضربة الأميركية لسورية!
أين العرب؟! لدينا دور كبير في هذه اللعبة، فمن الضروري أن نتجاوز العقلية السوداء والشعور بالدونية دوماً، أو الحطّ من قيمتنا وقدراتنا. فالعرب هم -حرفيّاً- إمّا الكرة نفسها التي يتبادلها الروس والأميركيون، وإذا فُقدت الكرة، فلا توجد لعبة أصلاً، وهذا جزء من أهميتنا الاستراتيجية، وهم -أي العرب- الجمهور أيضاً، المتفرّجون، الذين يشجّعون هذا الفريق أو ذاك، ومن دون جمهور تفتقد المباراة لنكهة المتعة والإثارة، كما أنّنا نحن أصحاب الضيافة، فالمباراة تقام على أرضنا وبين جمهورنا!
لكن، وللأمانة، ومن باب نقد الذات، فإنّ مبارياتنا -نحن العرب- تخلو من الروح الرياضية، ونفتقد فيها اللعب النظيف، فما حدث في الغوطة، وقبله في أغلب أرجاء سورية، من ضرب الكيماوي وتشريد الملايين، وقتل على الهوية، وسرقة للمنازل من قبل ميليشيات النظام السوري، وقصف لعمارات كاملة بأهلها، وقتل للمدنيين والأطفال والنساء والأبرياء، والحال نفسها في العراق وليبيا واليمن، وحتى في الوضع السياسي في دول عربية عديدة، فإنّ كل ذلك يقع خارج مفهوم "اللعب النظيف"، ويفتقر إلى الروح الرياضية. فاللعب العربي عموماً مليء بالتطبيش والتكسير والإساءات والإهانات، ويتحوّل الملعب إلى "حرب وجودية"، الكل يحاول أن يربح بها، لكن من المؤكّد أنّه مع صافرة "الأجنبي" في نهاية المباراة، لن يفوز أي من الفرق العربية في تلك المباراة!
لا تظنّ أنّ هذا مقال ساخر! أبداً، بل هذا هو واقع الحال فعلاً، سواء كنت مع الضربة الأميركية أم ضدها؟ أو كنتَ -عربياً- مع الروس والإيرانيين أم المعارضة السورية، فإنّ من يربح الحرب في سورية ليس النظام، ولا أي طرف من الشعب السوري، لأنّهم ليسوا لاعبين. الإيرانيون طرف، الأتراك طرف آخر، الأميركيون والروس بطبيعة الحال طرفان أيضاً، إسرائيل اللاعب الحاضر-الغائب دوماً، ومصالحه محمية سواء شارك باللعبة أم لم يشارك!
الضربة الأميركية درس للعرب: كيف يمكن أن تحقق الردع المطلوب وأن توصل رسالتك السياسية، وفي المقابل تحافظ على مصالحك وعلى قواعد اللعبة مع الطرف الآخر، الذي يبادلك السلوك نفسه؟.
الغد - الثلاثاء 17/4/018