مجتمع لاجئ!
حضرتُ خلال الأسبوع الماضي ندوتين مهمتين تتناولان موضوع اللاجئين؛ الأولى في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، للدكتورة اللبنانية، لينا حداد، بعنوان "تأثير الصدمة المستمرة على اللاجئين السوريين"، والثانية كانت في مركز كولومبيا لدراسات الشرق الأوسط، وعقدها مركز كارنيغي للشرق الأوسط، ليعلن نتائج تقرير مهم له بعنوان "أصوات مهمّشة: ما يحتاجه اللاجئون السوريون للعودة إلى الوطن"، وشارك في الندوة د. مها يحيى (مديرة مركز كارنيغي، ود. مروان المعشّر، والصديق د. سلام الكواكبي، ود. بشر الخصاونة وزير الدولة للشؤون القانونية السابق).
الندوة الأولى قدّمت فيها د. لينا حدّاد تحليلاً علمياً مميزاً للأعراض السيكولوجية التي تصيب اللاجئين بعد الصدمة PTSD، ونتائج الحروب والنزاعات المسلّحة عليهم، وما تسببه من آثار كبيرة، قد تؤدي في بعض الأحيان إلى الجنوح إلى التطرف والعنف، وهو ما يحتاج إلى مقاربات جديدة من قبل المجتمع الدولي والدول المضيفة تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الشمولية وليس فقط الاقتصادية.
أمّا الندوة الثانية فتناولت تقرير كارنيغي الذي يعتمد على آراء وأصوات اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان، ومعاناتهم، وفيه بيانات ومعلومات مهمة تستحق التحليل والدراسة لاحقاً، ومنها نسب توزيع اللاجئين السوريين في الأردن، مثلاً، من المناطق التي أتوا منها (قرابة النصف من درعا 43 %)، وعن حياتهم اليومية ومعاناتهم ومشكلاتهم، ورؤيتهم لفكرة العودة إلى أوطانهم التي جعلوها مشروطة بالانتقال السياسي وتحقق العدالة، والشعور بالأمن، وأسباب هجرتهم التي جاءت غالباً لأسباب مرتبطة بالأمن الحياتي وليست اقتصادية كما يروج بعض المثقفين العرب، وشعورهم في أحيان كثيرة بالتمييز والتعرّض لمظلوميات عديدة في كثير من الدول.
إذا تجاوزنا المواضيع الجزئية والتفاصيل في الندوتين، فمن المهم اليوم في العالم العربي أن نعي بأنّ موضوع اللاجئين ومجتمع اللاجئين أصبح موضوعاً رئيساً من ضمن التحولات الكبيرة في العالم العربي، سواء تحدثنا عن اللاجئين الفلسطينيين سابقاً، أو السوريين واليمنيين والليبيين والعراقيين، وحتى النازحين في أوطانهم، فنحن أمام مجتمعات جديدة تتشكّل للاجئين في العالم العربي، تتطلب دراسات وأبحاثا خاصة، لاختلاف بنيتها وشروطها وديناميكياتها عن المجتمعات الطبيعية والظروف العادية.
أقام مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، برنامجاً خاصاً يمنح شهادة الدبلوما في دراسات اللاجئين، لكن الاهتمام بهذا المجال يحتاج إلى دراسات وأبحاث وجهود أكبر، لأنّه من الواضح أنّنا لسنا أمام ظاهرة عابرة بل تحولات ستأخذ مدى متوسطاً إن لم يكن طويلاً من الوقت، مع تعذر إمكانية عودة نسبة كبيرة من اللاجئين إلى أوطانهم، لانعدام الشروط والإمكانيات واستمرار الشروط الدافعة إلى الخارج نفسها، بل تفاقمها، لو أخذنا على سبيل المثال الأزمة السورية، فمن الواضح أنّ الحكومة السورية في سياساتها وسلوكها لا ترحب بعودتهم، وأنّ البديل هو عملية إحلال طائفي وهندسة ديموغرافية جديدة، الأمر الذي بدأ فعلاً في العديد من المدن والمناطق السورية، تحت عنوان عريض وهو "المجتمع المتجانس"، فلا قيمة لتهجير 7 ملايين سوري بالنسبة لنظام الأسد، فهؤلاء ليسوا من المجتمع المتجانس، الذي من الواضح أنّه يأخذ أبعاداً طائفية ومذهبية، وله امتداداته الإقليمية.
ضمن هذه المعطيات، أردنياً، وفي ظل المؤشرات الواضحة على تعذّر الحل السياسي، وممانعة النظام السوري لعودة اللاجئين، فسنتعامل مع مئات الآلاف من الأشقاء السوريين لمرحلة طويلة من الوقت، فمن الضروري أن نفهم جيّداً ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والنفسية، ونتعامل معهم بما يجنبنا ويجنبهم مشكلات عديدة في المستقبل.
الغد - الجمعة 20/4/2018