فاروق ورسمية !!
هذا العنوان ليس لحكاية حب عذري من طراز قيس وليلى عند العرب او تريستان وايزولدا عند الغربيين، وكان من الممكن ان تتبدل الاسماء؛ لأن فاروق ورسمية يعبران عن ظاهرة عمرها سبعون عاما، هي التراجيديا الفلسطينية او الملحمة التي لم تجد حتى الآن نصا يليق بها.
فاروق ورسمية افترقا وهما طفلان قبل سبعين عاما، والتقيا في لبنان قبل ايام وقد بلغ الاثنان اقصى الشيخوخة، فهل هو لقاء ام وداع ام كلاهما؟ وهل هناك في العالم كله من يصدق ان هذه الحكاية وقعت بالفعل، وان فاروق ورسمية فلسطينيان من لحم ودم وليسا بطلي دراما تلفزيونية من نسج خيال السيناريست ؟
كيف التقيا وكيف تعرف احدهما على الاخر لأن الدليل هو القلب، وكم سبعين عاما في عمر الانسان ؟ ان الخيال مهما جمح لا يصل الى عتبة هذا المشهد، فالناس يتغيرون تماما من خلال سبعين عاما، ومن كان ذا شعر مسترسل وقامة مسرحية اصبح يتوكأ على العصا ومن كانت بضفائر اصبحت بقليل من الشعر الذي تغطيه الحنّاء.
ان شقيقين مثل فاروق ورسمية يختصران التراجيديا كلها من الفها الى يائها، ومن كانوا السبب في هذا الفراق وكل فراق قد يصابون بالقشعريرة لو انهم ظلوا على قيد آدميتهم وبهم واحد بالالف من الانسان!
فاروق وهو مجرد اسم مستعار لأي لاجىء فلسطيني رأى خلال سبعين عاما كل الناس الا شقيقته، وشاهد شوارع وازقة كل المدن الا شوارع بلدته وتناول طعامه وقهوته سبعين عاما من كل الايدي الغريبة الا يدي والدته!
هذه الحكاية من انجاز مشروع مضاد للتاريخ، لأنه ولد من رحم الخرافة، لقد عاش الشقيقان حتى اقصى الشيخوخة من اجل ان يلتقيا ولو للوداع، واخطأتهما خمس حروب وسبع هزائم والف مذبحة ومذبحة!!
الدستور - الاحد 22/4/2018