معنى آخر للمقاومة
تواصلت مسيرة العودة الكبرى للجمعة الرابعة على التوالي، مع استمرار تقديم المزيد من الشهداء والابتكار بأشكال جديدة من المقاومة السلمية؛ في الجمعة الأخيرة ارتفعت الطائرات الورقية بكثافة في الشريط الحدودي بعد جمعة داكنة بفعل حرق عشرات الآلاف من إطارات السيارات. يحدث هذا الأمر في الوقت الذي تتصاعد فيه الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل وآخرها رفض الممثلة الأميركية، إسرائيلية الأصل، ناتالي بورتمان، حضور حفل في إسرائيل لتسلم جائزة رفيعة قيمتها مليون دولار أميركي احتجاجا على ما يحدث في غزة.
وعلى الرغم من أن المواجهات في غزة تسببت باستشهاد 37 فلسطينيا وإصابة أكثر من 1600 منذ انطلاق التظاهرات الحاشدة في ذكرى يوم الأرض في 30 آذار الماضي، فإن حجم الاستجابة العالمية ما يزال عاجزا عن أبسط ردود الأفعال مثل إرسال بعثة تحقيق دولية، وهو ما طالب به الأمين العام للأمم المتحدة والمفوضية العليا المكلفة بالشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي؛ حيث استطاعت إسرائيل إحباط هذه الجهود في أكثر من مرة.
تاريخيا، وعلى المستوى السياسي، تبدو مكانة القضية الفلسطينية في أضعف لحظاتها، وفي المقابل تحفر عوامل المقاومة الجديدة وحركة المقاطعة العالمية عميقا تحت الأساسات التي شيد عليها الاحتلال؛ ثمة خط صاعد آخر يوازي سياسة فرض الوقائع على الأرض تبدو ملامحه الأولية في تآكل سردية الاحتلال وكل ما تستند إليه من رواية؛ علينا أن ننظر بعمق للآثار المتوقعة لأفعال مثل حركات المقاطعة الأكاديمية والتراكم المستمر للمئات من الدراسات والتقارير الغربية التي أصبحت تشكل ما يشبه سردا جديدا يضعف السردية التقليدية الى جانب حركة المقاطعة الفنية والرياضية وسحب الاستثمارات ومقاطعة بعض الشركات.
لا يملك العرب المعاصرون تراثا في المقاومة المدنية ولا حتى المقاطعة النوعية، وينسحب الأمر على ثقافة المقاومة المدنية التي لم نوطنها، الأمر الذي أوقعهم ضحية التعبيرات الاحتجاجية العنيفة التي فلّ بعضها من عقال المنطق وخلق الموجة المعاصرة من العنف والعنف المتبادل على جبهات قد لا تكون في معظمها هي الجبهات الحقيقية للمقاومة والمعارك، ما عقد الموقف أكثر وجعل معركة الفهم المتبادل مع العالم أكثر صعوبة. بالفعل لقد قدمت بعض حركات الإسلام السياسي المعاصرة سلوكا أبعد ما يمكن أن يسهم في إعادة بناء فهم العالم لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، لقد تبنى العالم على مدى سبعين عاما الرواية الصهيونية ليس لشيء أكثر من القدرة التضليلية التي مارستها هذه الحركة. وفي المقابل كانت حركة المقاومة الشعبية السلمية الفلسطينية قادرة على أن تفعل الكثير منذ 1936، إلا أنها بقيت متقطعة ومشتتة وبدون عقل سياسي.
في الوقت الذي وصل فيه السياج العربي الرسمي المحيط بإسرائيل الى مستوى متواضع من الهشاشة والاختراقات، تتصاعد حركة الرفض العالمي للسياسات الإسرائيلية ولكن بدون جدوى كبيرة؛ فإسرائيل مستمرة في سياسات الاستيطان والتهويد والحصار والفصل العنصري. صحيح أن المقاومة السلمية تصبح ضرورة حينما تصل الشعوب الى مرحلة من اليأس في توازن القوى، وعبر الخبرة التاريخية لا يمكن أن تؤتي هذه الحركة أكلها؛ إذ لم تراكم أفعالها بدون انقطاع وبوجود حد معقول من التضامن العالمي، وهنا علينا أن نتأمل مسألتين؛ لماذا كلما وصلت حركة المقاومة الشعبية الفلسطينية ذروتها يتم اغتيالها وتفريغها من مضمونها، وكيف علينا أن نتصور حركة تضامن ومقاطعة عالمية لإسرائيل والمحيط العربي يهرول من جديد للتطبيع المجاني؟
الغد - الأحد 22/4/2018