عن الشهيد فادي البطش ودلالات الاغتيال
طوال الأيام الماضية التي تلت اغتيال الشهيد فادي البطش في العاصمة الماليزية، لم تتوقف الصحافة الإسرائيلية عن الكتابة عن الرجل والعملية التي أودت بحياته، أكان في سياق من الحديث عن المهمات التي اطلع بها، وقدراته العلمية والتقنية، أما على صعيد العملية ذاتها، والتي تمت باحترافية عالية، مع أن ذلك ليس مصدر فخر؛ لأن الرجل كان أعزل، ويتحرك بكل بساطة.
نكتفي هنا بالإشارة إلى ما ذكره المحلل المعروف في موقع “ويللا” الصهيوني، آفي يسخاروف، والذي قال إن “اغتيال البطش لا يحتاج كثيرا من الخيال لمعرفة الجهة المسؤولة عنه، فهو مهندس الكهرباء، الذي عُرف فقط بعد مقتله أنه أحد كوادر الجناح العسكري لحماس”، مذكّرا بأن “اغتياله يشبه في ظروفه ما حصل في اغتيال المهندس التونسي محمد الزواري قبل عامين بمدينة صفاقس، حيث أطلق عليه المنفذون النار من مسافة صفر”.
بوسع الصهاينة أن يحتفلوا بإنجازهم باغتيال الدكتور البطش، وقبله الزواري، وقبلهما قائمة طويلة؛ كان لحماس (فلسطينيا) النصيب الأوفر منها خلال الألفية الجديدة، فيما شهدت الألفية السابقة اغتيال قياديين ونشطاء من مختلف الفصائل، وفي مقدمتها حركة فتح بطبيعة الحال.
على أن لقضيتي الزواري والبطش سياقا يبدو مختلفا عن سواهما، إذ تتعلقان بشخصين لم يكونا من كوادر العمل العسكري المباشر، ولا السياسي الذي يوجّه العسكري، كما هو حال كثيرين مثل الشهيد أبو جهاد، والشهيد فتحي الشقاقي، وخالد مشعل (محاولة فاشلة). ونتحدث هنا عن اغتيالات الخارج، فيما يزدحم الداخل بحشد هائل من كبار الرموز على الصعيدين السياسي والعسكري.
الزواري والبطش كانا ينتميان للعمل العسكري في سياقه التطويري، وليس حتى الدعم اللوجستي، كحال محمود المبحوح مثلا، ما يعني أن الصهاينة، كما أكدت صحافتهم، سيفعلون المستحيل لمنع المقاومة من تطوير قدراتها بأي شكل من الأشكال، لا سيما أن التكنولوجيا الحديثة باتت مقلقة بالنسبة لهم، كما هو حال الطائرات بدون طيار، والتي ارتبط الشهيدان بتطويرها.
الجانب الثاني الذي يستوقف المراقب هنا هو أن لا شيء يمنع الصهاينة من استهداف من يريدون، وفي أي مكان، من دون الخوف من العواقب بسبب الدعم الدولي الهائل، لا سيما أن من السهل عليهم التنصل من الجريمة، حتى لو اعترفوا بها بشكل شبه مباشر.
الدولة الصهيونية اليوم هي الدولة الأكثر دلالا في العالم، وهي واحدة من الدول ذات القدرات الاستخبارية العالية، والتي لها اختراقات في أجهزة بلا حصر، وتحظى بدعم من كل صهاينة العالم.
لا ينفي ذلك أن هذا الاستهداف يعكس مخاوف العدو من تطوير قدرات المقاومة، رغم الفارق الهائل في ميزان القوى بين الطرفين، لكنه يؤكد أن بوسع المقاومة أيضا أن تتمرد على الظروف البائسة التي تعيشها، وتحقق بعض الإنجازات، رغم أن المصيبة الكبرى هي بوصلة الوضع الفلسطيني الذي يرفض المقاومة، بل يساهم في استهدافها عبر “التعاون الأمني” أيضا.
كل ذلك لا ينفي بالطبع أن هناك قدرا من الفشل الأمني الذي ينبغي أن يؤخذ بنظر الاعتبار، لا سيما ما يتعلق بالثقة بوسائل الاتصال، والتهاون في استعمالها، لكن ذلك لا يقلل من أهمية المحاولات التي تُبذل، والتي تكلف الكثير من حيث الأثمان، وإن كانت طبيعية في مواجهة دولة تتمتع بـ”العلو الكبير”، وربما هي “الأكثر نفيرا” في العالم الحديث.
الفلسطينيون يواجهون عدوا حقيرا، وبقدرات رهيبة، وما يكسر هذا الخلل هو الإيمان الذي يقوي الإرادة، ولو حسمت القيادة خياراتها في اتجاه المقاومة، لكان استنزاف هذا العدو ممكنا في عقر داره، حيث يتواجد عسكره ومستوطنوه، وهو ما يختلف عن وضع القطاع المحاصر من البحر والبر والجو.. ولكن!!
سلام على فادي البطش، وقبله الزواري، وعلى جميع الشهداء إلى يوم الدين.
الدستور - الجمعة 27/4/2018