رسالة من المستقبل!
الآلاف من رسائل الواتس أب يقذفها كل يوم ناشطون إلى هاتفك الخلوي، وكلما قلت في نفسك إنك على وشك شطب التطبيق من الهاتف، ترتجف يدك، فأنت لم تعد قادرا عن اعتزال الحياة الرقمية، ليس للترفيه ومتابعة آخر مستجدات أمزجة متابعيك فقط، بل لأن «التواصل» بحد ذاته أصبح عادة لصيقة بنا، حتى أنك لا تلحظ كيف تتسلل يدك إلى الهاتف الخلوي، وتدخل «رمز الإغلاق» وتبدأ بمتابعة القوم!
من بين هذه الآلاف من الرسائل، يستوقفك نوع معين تشعر بحاجة ماسة أن لا يطويه النسيان، فتحتفظ به في دفتر ملاحظاتك الإلكتروني، ولا تقاوم فيما بعد رغبة شديدة في مشاركة قارئك بما ورد فيها، ليس لتسليتهم، بل لتعريفهم بفداحة ما يحصل حولهم، خاصة نحن العرب، الذين يغوصون في «وحل» كثيف، اين منه الوحل الذي تساقط على رؤوسنا في الشتوة الأخيرة، التي أعلنت أن الشتاء عاد قبل أن يرحل!
الرسالة شغلتني كثيرا، واحتفظت بها في سجل ملاحظاتي، طويلة جدا، ولكنك لا تمل من قراءتها على طولها، ولضيق المقام هنا، سأقتطف منها بعض الملامح الهامة، لعلها تصيب في عقلنا الجمعي ما يحدثه التماس الكهربائي، فهي تعيد موضعتنا كأمة على خارطة الكون، وتؤشر على فداحة كارثتنا وتخلفنا!
الرسالة عبارة عن مقابلة حديثة مع المدير التنفيذي لشركة ديملر بنز (مرسيدس بنز)، ترجمها سعد بن طفلة، وربما وصلت لبعض القراء كما وصلتني، لكن لا بأس من التأشير على أكثر النقاط أهمية فيها، لمن فاته الاطلاع عليها، ومما جاء فيها..أن البرمجيات ستوقف معظم الصناعات التقليدية خلال خمس أو عشر السنوات القادمة، فشركة أوبر هي برنامج حاسوبي لا يمتلك سيارة واحدة لكنه اليوم أكبر شركة سيارات أجرة في العالم، وشركة»اير بي أن بي» العقارية هي أكبر شركة فنادق بالعالم رغم أنها لا تملك أي عقار، إنه الذكاء الصناعي، وفي الولايات المتحدة لا يستطيع المحامون الشباب الحصول على عمل اليوم لأن برنامج أي بي ام واتسون القانوني يقدم لك مشورة قانونية في القضايا العامة الأساسية خلال ثوان بدقة تصل نسبتها إلى 90% أفضل من نسبة الـ70% التي يقدمها المحامون من البشر. ويشخص برنامج واتسون مرض السرطان بدقة أفضل من تشخيص البشر أربع مرات، وبالنسبة للسيارات الذاتية القيادة، فسوف تكون أولى دفعاتها متاحة للعامة في عام 2018، وفي العام 2020 سوف تبدأ صناعة السيارات التقليدية بالتعثر، فالواحد منا لن يحتاج إلى أن يمتلك سيارة بعد اليوم، فسوف تطلب سيارة عبر هاتفك المتنقل، تأتيك حيث أنت وتنقلك حيث تشاء. وسوف تتغير المدن حيث سيختفي 90-95% من السيارات، واليوم يموت سنويا 1,2 مليون بالعالم نتيجة حوادث السيارات حيث يقع حادث كل 100 ألف كيلومتر، ولكن السيارات الذاتية القيادة ستخفض هذه الأرقام إلى حادث واحد كل 10 ملايين كيلو متر، يعني إنقاذ حياة مليون إنسان سنويا. وقد تفلس معظم شركات السيارات، وستواجه شركات التأمين مشاكل جمة بدون حوادث، وستصبح الكهرباء أنظف وأرخص بشكل لا يصدّق، ومع الكهرباء الرخيصة ستتوافر كميات المياه، العالم وسيتمكن أي إنسان من الحصول على أي كمية يريد من المياه الصالحة للشرب بثمن بخس!
أما في المجال الصحي فستخترع الشركات الطبية جهازا طبيا اسمه الحافظة الثلاثية المستوحاة من فيلم ستار تريك، وتعمل على هاتفك الجوال حيث تفحص شبكة العين وعينة الدم وتقيس عملية التنفس. ثم تعطي هذه الحافظة 54 قراءة تشخص أي مرض تقريبا، وسوف تكون رخيصة الثمن بحيث يمكن لأي إنسان على هذا الكوكب أن يحصل على تحليل طبي متطور ودقيق بالمجان تقريبا، فوداعا للمستوصفات والمستشفيات. أما في عالم الوظائف وفرص العمل، فستتلاشى 70-80% من المهن والأعمال خلال العشرين سنة القادمة، أما بالنسبة لمعدلات الأعمار والتي تزيد بنسبة ثلاثة أشهر كل عام، فقد زادت من 79 إلى 80 عاما خلال السنوات الأربع الماضية، وهذه الزيادة هي في حد ذاتها في حالة ازدياد مضطرد، ففي العام2036 سوف تصبح الزيادة سنة ميلادية لكل عام ميلادي، وسوف يعيش الإنسان لمدة تطول قد تتجاوز المائة عام!
ترى أين نحن من كل هذا؟ هل سنكون جزءا من هذا العالم، أم سيطردنا التاريخ خارج الزمن فنصبح مجرد «تطبيق» على الهواتف الخلوية؟
الدستور - الاحد 29/4/2018