حول المواجهة المحتملة بين إيران والكيان الصهيوني
منذ أسبوعين، تزدحم وسائل الإعلام العربية، وبدرجة أكبر الأجنبية والإسرائيلية بأسئلة تتعلق بالمواجهة المحتملة بين إيران والكيان الصهيوني، في ظل قناعة مرجّحة بأن إيران لن تترك ثأرها في قاعدة “تيفور”، حيث قتل سبعة من ضباطها، بينهم ضابط كبير في ضربة جوية إسرائيلية، قيل إنها استهدفت مجموعة مكلفة بتطوير طائرات دون طيار في القاعدة.
نبرة التهديد الجازمة من قبل طهران وأتباعها في المنطقة، هي التي دفعت كل تلك الأوساط إلى اعتبار الرد الإيراني في حكم المؤكد أو المرجّح، ما لم تحدث مفاجآت وتطورات مفاجئة، فيما تركزت الأسئلة التالية على ماهية الرد من جهة، وفي مقابله طبيعة الرد الإسرائيلي عليه.
كل ذلك يجعل من شهر أيار المقبل، شهرا ساخنا، بل الأسخن منذ عقود (بالنسبة للكيان)، وفق ما رأى رئيس شعبة الاستخبارات الإسرائيلية الأسبق (عاموس يدلين)، والذي اعتبر أن كل التهديدات تتركز فيه؛ من أسئلة الرد الإيراني المشار إليه، إلى قرار ترامب بشأن الاتفاق النووي، وصولا إلى “مسيرة العودة الكبرى” في الـ 15 من أيار.
ويرى يدلين أن احتمالات الرد الإيراني تتلخص في: “إطلاق صواريخ من إيران أو سوريا، تنفيذ عملية على الحدود مع لبنان أو على الحدود مع سوريا، والإمكانية الأخيرة هي تنفيذ عملية خارجية ضد سفارة أو سياح إسرائيليين”.
في الأثناء تتصاعد نبرة التهديدات الإيرانية والإسرائيلية، والأولى تتجاوز التهديدات للكيان الصهيوني إلى التهديد بالعودة لتخصيب اليورانيوم في حال تراجع واشنطن عن اتفاق النووي، وهو تهديد يعبر عن مأزق في واقع الحال، إذ ما الفائدة التي ستجنيها إيران من إعادة التخصيب؛ هي التي قبلت بالصفقة أصلا من أجل رفع عقوبات لم تعد تطيقها في ظل نزيف كبير في مواقع كثيرة، أهمها سوريا؟!
إيران في مأزق كبير، ولا يُعرف إن كانت ستواصل الإصرار على الرد على ضربة “تيفور”، أم ستتراجع تبعا لحسابات الخسارة التالية، وقد تتراجع بالطبع في حال لم توقف أمريكا العمل باتفاق النووي، أو أجّلت القرار، ومأزقها في سوريا كبير أيضا، برفضها للمطالب الصهيونية من جهة، وبتناقضها مع الروس أيضا، رغم التقائهما ومعهما الكيان الصهيوني على بقاء النظام.
لكن الصهاينة ليسوا مرتاحين أيضا، فكيانهم رغم وجود ترامب، والكثير من الدعم الدولي يعاني الهشاشة، وهو ليس مستعدا لأي مواجهة من أي نوع، فضلا عن تخريب أي مواجهة على أجواء استثمار حريق المنطقة من الناحية السياسية.
يدخلنا ذلك كله بطبيعة الحال إلى الأسئلة السياسية والأخلاقية التي تترتب على أي مواجهة مقبلة، وبالطبع في ظل المزايدات التقليدية التي أفرزتها الثورة السورية، وحيث يميل فريق إلى مساندة النظام بدعاوى المقاومة والممانعة، متجاهلا طبيعة المشروع المذهبي الفاضح الذي دفع إيران إلى التدخل في سوريا، بينما نميل، ومعنا كل صاحب ضمير حي إلى إدانة التدخل الإيراني الذي دمّر سوريا، وقتل وهجّر الملايين من شعبها، ووضع الحَبّ صافيا في طاحونة الكيان الصهيوني وكل أعداء الأمة، من دون أن يحقق أي نتيجة غير ذلك، لأن بقاء النظام أصلا هو مطلب صهيوني وأمريكي، كما يدرك جميع العقلاء الذين لا يدفنون رؤوسهم في الرمال، لأن بقاءه ضعيفا منهكا، وبرعاية الصديق الروسي للصهاينة، هو الحل الأفضل، في ظل غموض الخيارات الأخرى، وبالطبع بعد أن تحققت المطالب الأهم باستنزاف جميع الأعداء من خلال الحرب السورية.
والخلاصة أن أي مواجهة إيرانية صهيونية لن تغسل يدي خامنئي من دماء السوريين، فضلا أن يكون سبب المواجهة ليس ذا صلة أصلا بفلسطين وتحريرها، من دون أن يغير ذلك في موقفنا المناهض للصهاينة دون تردد، أيا تكن هوية الطرف الذي يشتبك معهم.
ومع أن من يواجهون خامنئي يعانون من التخبط والتيه وخلل الأولويات، إلا أن بوسعه هو أكثر من غيره أن يوقف هذه الكارثة التي استنزفت الأمة وشعوبها، ووضعته في حالة عداء مع غالبيتها، وحين يفعل ذلك ستكون المواجهة مع الكيان الصهيوني أكثر قوة، إذا كان حريصًا بالفعل على مواجهة من هذا النوع.
الدستور - الاحد 29/4/2018