"أخبرهم يا صلاح"
من الإنصاف القول إنّ اللاعب المصري محمد صلاح؛ نجم فريق ليفربول الانجليزي، أصبح ظاهرة عالمية وعربية اليوم، بما يملكه من مهارات جميلة في الإبداع في كرة القدم، بل أكثر من ذلك هو نموذج مهم للشباب العربي، الذي يصنع من نفسه بطلاً عالمياً ويواجه التحديات والصعوبات ويتغلب عليها، فهو يمنح الأجيال الجديدة الأمل بالإنجاز والإبداع والنجومية.
تحوّل صلاح اليوم إلى أيقونة للشعوب العربية، وهو أمر يستحق التأمل والتفكير، وربما يرتبط مبدئياً بانتشار كرة القدم، وولع الشعوب العربية بها، فأصبحت من ضمن الاهتمامات الرئيسة للشارع، وللأجيال الجديدة، ومصدراً من مصادر التنافس بين الدول والمجتمعات والشعوب.
فوق هذا وذاك، تحديداً، على الصعيد العربي، يبدو أنّ التعلّق بصلاح والولع به، من قبل شرائح اجتماعية عريضة، وقد يكون أحد أهم النجوم والرموز العربية في اللحظة الراهنة، مرتبط أيضاً بتعطّش الشعوب العربية لأي شيء جميل، إيجابي، يعطي شعوراً مغايراً لواقع الانهيار والسقوط العربي، ولمشهد الحروب الأهلية والداخلية، والأزمات الاقتصادية والفقر والبطالة، بمعنى شيء ناجح وجميل ضد المحيط الفاشل والبشع.
هذه المعطيات قد تفسّر جاذبية صلاح التي دفعت بكثيرين إلى الاهتمام بالكرة ومتابعة مبارياته، وليست لديهم أي خبرة سابقة في كرة القدم، ومما ساعد على ذلك شخصيته ذاتها، فهو يتمتع بسمات متوازنة، وأخلاق عالية، وتواضع جميل.
مع ذلك، فإن هنالك ملاحظات تستدعي الاهتمام والتفكير؛
الملاحظة الأولى تتمثل في عدم إخراج الرجل من سياقه، فهو في النهاية لاعب كرة متميز، قد ينجح أحياناً ويفشل أحياناً أخرى في تحقيق النتائج، له حضوره في مباريات ويختفي في أخرى، كأي لاعب آخر، حتى ليو ميسي أفضل لاعب على وجه الأرض، كانت الأرجنتين تؤمّل فيه بأن يجلب لها كأس العالم، وقد لا يستطيع، فهو ليس سوبرمان.
والحال أنّ معضلة صلاح أكبر من ميسي، لأنّ آمال الجماهير العربية عليه أكبر وتعلقها فيه يتجاوز منطق كرة القدم، للأسباب التي ذكرناها، فنحن نتوق للرموز والأبطال ونحمّل الشاب الصغير أكثر مما يحتمل، ونضعه تحت ضغوط كبيرة، وكأنّ المطلوب منه في كل مباراة أن يخترع الصاروخ.
الملاحظة الثانية، هي خشيتي أن يؤدي هذا الاهتمام الهائل والكبير إلى محاولات توظيف صلاح سياسياً، إن لم يكن اليوم فغداً، من قبل الأطراف المتناحرة في العالم العربي ومصر، وربما كثيرون يرون ما حدث مع النجم المصري السابق، محمد أبو تريكة، الذي تم إقحامه في التجاذبات والصراعات السياسية، وانقلبت الدولة ضده لاحقاً، وتعرّض لأزمات مالية. بما أننا في العالم العربي لم نتعلّم حق الاختلاف، وننظر إلى الرأي الآخر من باب العداء والخصومة، ودولة القانون لا وجود لها إلاّ في الدعايات السياسية الخادعة، فإنّ إقحام صلاح في هذه الخلافات سيؤذيه تماماً، وهذه النجومية والشعبية العارمة تغري الأطراف السياسية المختلفة في جره إلى صفّها.
الملاحظة الثالثة والأخيرة، تتمثل في الدور الذي يلعبه الإعلام اليوم في صناعة النجوم والأيقونات، وصلاح يستحق ذلك، لكن هنالك أمثلة ونماذج عديدة أخرى قد تكون بالدرجة نفسها، في مجالات اجتماعية أو علمية أو ثقافية، لكن لغياب الإعلام لا يلتفت إليها الناس. بمعنى أن صلاح ليس ظاهرة فريدة، وعلينا البحث عن النماذج الناجحة الجميلة المبدعة وتظهيرها لتكون ملهمة للأجيال العربية، لأن تكون القصة أشبه بموضة شعبية لفترة محدودة ثم تذوي وتتلاشى.
الغد - الجمعة 4/5/2018