«لعبة حرب»
أجرى معهد أبحاث الأمن القومي في إسرائيل تمريناً، «لعبة حرب»، استهدف من خلاله فحص احتمالات اندلاع حرب على الجبهة الشمالية مع كل من لبنان وسوريا، واستتباعاً إيران، واختبار ما إذا كانت الجبهة الشمالية، جبهة واحدة أم جبهتين منفصلتين، لكل منهما ديناميكياتها الخاصة بها، ولقد توصل الباحثون إلى خلاصات عديدة، منها على وجه التحديد:
أن أحداً من اللاعبين الإقليميين والدوليين الكبار، بمن فيهم إيران وحزب الله وإسرائيل، وبالأخص روسيا والولايات المتحدة، لا يرغب في اندلاع حرب شاملة ويحاذر التورط في أتونها ... لكن الأطراف جميعها، بلا استثناء، تسعى في تكريس قواعد الاشتباك أو تعديلها لصالحها، وحفظ «خطوطها الحمراء» لصون مكاسبها وتعظيمها، ومنع خصومها من الحصول على المزيد من النفوذ والسيطرة ... غياب الرغبة باندلاع الحرب الشاملة، لا يعني أنها لن تقع أبداً، فللحرب منطقها الخاص، وكم من الحروب في التاريخ، اندلع على نطاق واسع، دون رغبة من أطرافها.
بخلاصة تمرين «لعبة الحرب»، جرى الوصول إلى نتيجة مفادها أن تهديدات حزب الله وإيران، وأحياناً مصادر في النظام السوري، بدمج الجبهة السورية بالجبهة اللبنانية، بجبهة شمالية واحدة في حال اندلاع الحرب، هو خيار لا تؤكده منظومة المصالح والحسابات المعقدة للأطراف المؤتلفة في محور موسكو – طهران – دمشق – الضاحية الجنوبية ... روسيا بالذات، لن تكون مع سيناريو كهذا، كفيل بتهديد مكتسبها، والأسد لن يكون «متحمساً» لخيار كهذا، وهو ليس بوارد حرب جديدة مع إسرائيل، كما أن إيران وحزب الله، يسعيان إلى تفادي سيناريو المواجهة الشاملة، لإدراكهما حجم القوة التدميرية التي تتوفر عليها إسرائيل، مدعومة من الولايات المتحدة.
الباحثون الإسرائيليون يقترحون على حكومتهم، التفكير جدياً بالتعامل مع «الشيطان الأصغر»، في إشارة إلى النظام السوري، لأنه قد يكون الأقل خطراً على إسرائيل، من الشياطين الأخرى، والمقصود هنا هو إيران وحزب الله، وليس المنظمات الإرهابية والجماعات المعارضة المسلحة، كما يحلو للبعض تصويره، وهم يعتقدون أنه يتعين «تجريب» محاولة فصل النظام عن طهران والضاحية الجنوبية، على صعوبة المهمة.
وهم أيضاً يقترحون على حكومة بلادهم، «تجريب» الفصل بين روسيا وإيران، فالدولتان لديهما أهداف استراتيجية مختلفة في سوريا، برغم التحالف الظاهر بينهما، ورعايتهما المشتركة إلى جانب تركيا، لمسار أستانا والاستفادة من تطور العلاقة الروسية الإسرائيلية إلى مستوى «التعاون الاستراتيجي»... مثل هذا «التكتيك» سيخدم هدف عزل إيران، ومنعها من بناء قاعدة قوة في سوريا، وهذا هدف رئيس من بين أهداف استراتيجية ثلاثة (خطوط حمراء) لإسرائيل في سوريا.
أما الهدفان الاخران، فهما: منع حزب الله من الحصول على سلاح «كاسر للتوازن»، مهما كلف الأمر، فيما الهدف الثالث، فليس قائماً بذاته، وإنما لخدمة الهدفين السابقين، ويتمثل في الاحتفاظ بحرية حركة سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء السورية.
بخلاف الخطاب الإنشائي، الذي يصدر عن باحثين عرب يحرصون على وضع تذييل أسمائهم بتوصيفات من نوع «خبراء» و»استراتيجيين»، ويميلون عادة لاختزال الصراع في سوريا والإقليم، وعليهما، ووضع جميع أطرافه في سلتين اثنتين فقط، واحدة خيّرة والثانية شريرة، يحرص المركز البحثي الإسرائيلي على الوصول إلى ثنايا وتلافيف المصالح المتضاربة واختلاف الأولويات، التكتيكية منها والاستراتيجية، في كل معسكر من المعسكرات المتصارعة، فيصل إلى خلاصات أكثر دقة في توصيف المشهد ورسم احتمالاته وخرائط طرائقه.
وفي ظني أن ما ذهبت إليه خلاصات «التمرين» من تقديرات وتقييمات لمواقف الأطراف ومصالحها وأولوياتها، يعبر بدقة عن مجريات الأزمة السورية، وكثير منها كنّا توقفنا عنده في مقالات متعاقبة في هذه الزاوية بالذات، وتحديداً لجهة تفكيك العلاقة المعقدة بين أطراف ما بات يعرف باسم «محور المقاومة والممانعة».
الدستور - الاحد 6/5/2018