اسفنج بشري !!
كتب الشاعر الالماني رينر ريلكا ذات يوم بمرارة تكشف حجم الخذلان لديه ان كل من اقتربوا مني اغتنوا وهجروني، وكأنه يذكّرنا بالشاعر العربي الذي قال إن من علّمه الرماية رماه ومن علمه الشعر والقوافي هجاه، لكنّ هناك وجها آخر لهذه الحالة، وقد لا يكون الشاعران العربي والألماني على حق تماما، لأن هناك من يتيح للآخرين الاقتراب منه والاغتناء من فائض معرفته وروحه ثم يهجرهم قبل ان يهجروه ليس ثأرا او انتقاما بل لكي يتيح لغيرهم ما اتاحه لهم!
واذا كان من يتعلم القوافي من معلمه يجرب سهمه فيه، فذلك ليس قاعدة ذهبية، فالبشر لم يكونوا ذات يوم عبر تاريخهم الطويل سواسية من الناحية الاخلاقية، ولا يحق لمن لدغ مرة او عشر مرات من الجّحر ان يعظ الاخرين بارتداء قفازات والاحتفاظ بأصابعهم بعيدا عن ملامسة اي شيء او مصافحة اي شخص.
ان التعميم به جور واحيانا يكون الاستثناء جديرا بالاشارة لأن من استطاعوا تدجين غرائزهم واتاحوا لآدميتهم ان تتطور وتتمدن هم الخميرة، حتى لو كانت نسبتهم اقل من عشرة في المئة !
والاقوال المأثورة في لغتنا وتاريخنا عن الخذلان كثيرة، وان كانت مقولة اتق شر من احسنت اليه في مقدمتها، لكن ذلك لا يعني ان نرى الحمام غرابا ابيض، او الشفق غسقا للتشابه الظاهري بينهما.
ومن يقتاده الحظ العاثر الى تجارب مريرة تخلف الخذلان والاسى عليه ان يعيد النظر، فهناك كما قال شكسبير بقية من الرحيق وستبقى الى الابد، شرط ان يتعلم الانسان من النحل ايثاره ودابه، ويحلّق عاليا.
ان من يقترب لكي يغتني ويقلب ظهر المحبة لصاحبه سيجد نفسه في النهاية مهجورا حتى من ذاته، لأنه اشبه بالاسفنجة التي ليس لديها سوى ما تمتصه من مختلف السوائل !!
الدستور - الاثنين 7/5/2018