الإسلام السياسي ونتائج انتخابات ثلاث

تم نشره الثلاثاء 08 أيّار / مايو 2018 12:54 صباحاً
الإسلام السياسي ونتائج انتخابات ثلاث
عريب الرنتاوي

أتابع من داكار، العاصمة السنغالية، حيث تلتئم الجمعية العامة التاسعة للحركة العالمية للديمقراطية تحت عنوان “بناء شراكة استراتيجية عالمية للتجديد الديمقراطي”، نتائج وتداعيات ثلاث انتخابات، جرت في توقيت متوازن: البلدية في تونس، والبرلمانية في لبنان، والنقابية في الأردن ... وأحسب أن هذه الانتخابات على أهميتها (بذاتها) إلا أنها تصب في صميم موضوع المؤتمر المذكور، وتحديداً مداخلتي في جلسته العامة، حول الإسلام السياسي ومسألة المواءمة بين قيم الديمقراطية والقيم الثقافية والتقليدية في دولنا ومجتمعاتنا.
من ناحيتي، حاججت بأننا: (1) ما زلنا أبعد ما نكون عن مرحلة “ما بعد الإسلام السياسي”... (2) وأنه سيتعين على هذه المنطقة، حباً أو كرهاً، أن تتعايش مع الحركات الإسلامية لسنوات، وربما لعقود عديدة قادمة ... (3) وأن لا ديمقراطية في المنطقة من دون مشاركة الإسلاميين وإدماجهم، وفي المقابل، لا ديمقراطية إن لم تعمل الحركات الإسلامية ذاتها على تبني وإدماج قيم الحرية والديمقراطية والتعددية وحقوق الانسان، في صميم رؤاها وبرامجها، وتأصيلها فكرياً وتراثياً ما أمكن... (4) وأن الديمقراطية ستبقى في خطر، وفي جميع الأحوال، ما لم تنجح مجتمعاتنا في انتاج “معادل موضوعي” لهذه الحركات، من دون الاعتماد على “الدولة العميقة/ الجنرالات” ليكونوا هم أنفسهم، هذا “المعادل، فتلكم الطريق الأخطر لعودة العسكرة للحياة المدنية ونظام الحكم، وهي الطرق الأقصر لقطع دابر التحول الديمقراطي.
نتائج الانتخابات الثلاثة، المشار إليها في مقدمة البيان، تؤكد هذه الحقيقة، وبأقدار مختلفة، ولا تنفيها ... في لبنان عزز حزب الله حضوره السياسي ونجح في توسيع رقعة تمثيله ونفوذ حلفائه ... في تونس، حل النهضة أولاً، على الرغم من “صدمة” ضعف نسب الاقبال على الاقتراع، تماماً مثلما حصل في لبنان ... وفي الأردن، لم تكن هزيمة الإخوان المسلمين في نقابة المهندسين، دلالة على انقلاب المشهد، وتغير قواعد اللعبة في البلاد، بقدر ما جاءت، تعبيراً عن نجاح لا ندري إن كان سيكون مؤقتاً أم دائماً، في تجميع جبهة عريضة في مواجهتهم، وهذا جزء من اللعبة الديمقراطية الانتخابية على أية حال.
لم ينته الإسلام السياسي في منطقة، ولم ندخل بعد “مرحلة ما بعده”، بيد أن الجديد في التجارب الانتخابية هو أن القوى المدنية والديمقراطية والعلمانية على اختلاف مشاربها، تنجح في تحقيق تقدم، سواء عبر بناء شبكات تحالفية واسعة النطاق (الأردن نموذجاً)، أو من خلال منافسة هذه القوى بضراوة على أصوات الناخبين، مستندة إلى مجتمع مدني وحركة نسائية متجذران (تونس على سبيل المثال)، وتقديم مرشحين من خارج نطاق الطبقة السياسية النافذة (لبنان مثالاً).
بالعودة إلى مؤتمر داكار، انخرط المشاركون في بحث عن أسباب وملابسات “تراجع” الديمقراطية عالمياً، وتقدم متحدثون للحديث عن دولهم وأقاليمهم ... وكان عليّ منفرداً، أن أتحدث عن الأسباب التي حالت دون التحاق منطقتنا بموجات التغيير الديمقراطي المتعاقبة التي اجتاحت على فترات متباعدة، قارات العالم الخمس، وأبقتنا في آخر قائمة “التنمية البشرية” بمعاييرها الدولية المتعارف عليها.
وأحسب أنه رغم محاولات الشيطنة المستمرة لحركات الإسلام السياسي التي تخوضها أنظمة وحكومات عربية باتت معروفة، إلا أن غالبية من تلقى فكرة إدماج هذه الحركات في العمليات السياسية الذي عرضت له، قد استحسنها واستساغها، على الرغم مما تنطوي عليه من مصاعب وتناقضات ليست خافية على أحد.
وفي ظني أن قيادات الجماعات الإسلامية، الإخوانية بخاصة، مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى، لمراجعة خطابها وممارساتها، وإحداث القطع والقطيعة مع الفكر التكفيري الذي يقفز بين فينة وأخرى، إلى رؤوس ألسنتهم، ويعبر عمّا يدور في دواخلهم ... كما يتعين على القوى العلمانية، أن تكون أكثر اعتدالاً في مقارباتها، إن هي أرادت للانتقال الديمقراطي أن يتحقق بيسر وسلاسة وأقل الكلف، وإن هي أرادت أن تهبط من عليائها كجماعة نخبوية إلى “الواقع المعاش” للفئات الشعبية المختلفة، وأن يكون لها دور يتعدى “التبشير” إلى القيادة الفعلية لحركة الشارع وعملية التغيير.

الدستور - الثلاثاء 8/5/2018



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات