ثقافة إرضاع الدمى !!
كيف يمكن لمثقف ان ينمو وتمتد جذوره الى باطن الارض والتاريخ معا اذا قرر ان ينفق الجهد والوقت في الثرثرة بين مقهى وآخر ؟ وان يحترف النميمة بحيث يصدق عليه وصف علماء النفس عن الذين يفرطون في استخدام ضمائر الغائب، باعتبارهم مجانين لم يتم القاء القبض عليهم بعد .
وما كنا نسمعه ونحن اطفال ولا نفهم معناه عن شرش الطول عرفنا فيما بعد انه الالم الناتج عن النمو، وكانت الامهات يتصورن ان الالام التي يعانيها ابناؤهن احيانا في سيقانهم هي بسبب الاستطالة والاقتراب من سن البلوغ .
وللثقافة والوعي بشكل عام شرش طول ايضا، لكنه ليس بالمعنى العضوي بل هو يعاني من غموض العالم من حوله، لأن لديه اسئلة تبقى محرومة من الاجابات إما بسبب جرح اخلاقي تفرضه التقاليد الاجتماعية، او لأنها اسئلة وجودية تتجاوز كل ما هو يومي او غريزي !
ومن تحدثوا في مختلف المناسبات عن أزمات الثقافة العربية كانوا يتجنبون التشخيص الدقيق ويتوقفون عند التوصيف . وغالبا ما تجذبهم اسباب سياسية واقتصادية وايديولوجية تسببت في الازمات، رغم ان هناك اسبابا لا يصعب تحديدها ساهمت في تأزيم الثقافة، وتغذية مضاداتها وبدائلها، منها شبه المثقف الذي يشبه وردة صناعية من البلاستيك، لا تذبل ولا تموت ولا تعاني من اي شيء لكنها تصبح بمرور الوقت جاذبا للغبار ولا شيء آخر، ولا يمكن لها مهما بلغت من الاتقان ان تخدع نحلة لأنها بلا رحيق .
شبه المثقف لا يرحم المثقف الاصيل ولا يريد له الرحمة من احد، فهو مُتخصص في الاساءة اليه وتجريده من كل ما ينجز لأنه باختصار تقيضه كما ان الوردة الحقيقية نقيض وردة البلاستيك، وكما ان الدمية نقيض الكائن الذي تجسده شكليا فقط .
واذا تصور البعض ان ارضاع دمى المطاط والقش سوف يسمنها ويبث في اوصالها الحياة فإن ذلك جنون وفقدان رشد!.
الدستور - الثلاثاء 8/5/2018