الرغبة في البكاء!
-1-
الرغبة بالبكاء التي تجتاحنا فجأة، تؤكد أننا أطفال بما يكفي لارتكاب أجمل حماقاتنا!
......
لماذا يبكي البشر؟ أمن أجل أن يغسلوا مآقيهم فقط، أم ثمة غسيل روحي من نوع خاص، لا ينفع فيه إلا الدمع؟
هل البكاء ضعف، أم قوة؟ ومتى يبكي الرجل؟ ومتى تبكي المرأة؟ هل ثمة دموع كاذبة وأخرى صادقة؟ من يتحكم بالدمع، أهي مجرد «صنبور» تفرك أذنيه فيبدأ بالتدفق، أم أنها حركة خارجة عن الإرادة، كما عضلة القلب، تنبض بأوامر «عليا» لا سلطة لنا عليها؟
-2-
من «أسفار» البكاء:
البكاء الحارق، أنْ تبكي بلا دموع!
رغب بالبكاء، فأمطرت غيمة، وبللت أوراقه، ومَحَت كل أسْفاره!
ما الجمال والقبح يا فاطمة؟! أتدرين أنَّ تلك الأخاديد والتجعدات التي حفرها الزمن في وجه أمي، تضاهي أجمل وجوه النساء قاطبة!؟ وتبعث في صدري شغفًا متفجرًا بالحياة والبكاء حُبًا وعشقًا!؟
حتى حينما أشعر برغبة عارمة بالبكاء، وممارسة كامل ضعفي، كأي مخلوق، أتذكر أنَّ عليّ أنْ أعضّ على جرحي، وأبتلع دموعي، فلا يليق بـ «الرجال» أنْ تسيل دموعهم إلا سرًا، أو جراء تقشير بصلة!
كم هو شقي... ذلك الذي ليس لديه «ملاذ» يبكي بين يديه، ويعيش معه لحظات ضعفه، دون أي تحفظ وبمنتهى الحرية، وهو على يقين أنَّ هذه اللحظات لن تُستعمل لابتزازه!
وهل يبكي البحر؟ حين يفتقد تراتيل الصيادين الصباحية، أو تهجره نوارسه، أو لا يواتيه الحماس على الهدير، أو حينما يفقد قدرته على إنتاج الزبد والأمواج؟ ما شكل دمعه؟ هل دمعه مالح أيضًا؟ ماذا بشأن الشطآن حين يفقد شهوة الوصول إليها؟
حينما رأى جثته مسجاة، ولا أحد يبكيه، أو يُعزي به، قرر أنْ يقوم من فوره، ليبدأ بمراسم دفنها، والانطلاق نحو الشمس!
كانت الشجرة وحيدة، حط عليها عصفور وبكى، فأصبحا... وحيدًا ووحيدة!
وإذ يضيق العالم كله عليك، فلا يتسع لك، بوسعك أنْ تصنع عالمك الصغير، ثم تثور عليه، فتركله بقدمك، وتبكي أو تضحك... سيان!
أقسى الدموع وأكثرها سخونة... تلك التي تسيل في الداخل... في مجرى الدم!
ما أشد حزن الكلمات على من يقتلها ويسخر من دموعها الساخنة!!
وتلك دمعة... ترقرقت في المآقي؛ حنينًا لغائبين؛ فاتضحت الرؤية، لكأنَّ تلك القطرات،
جَلَتْ صدأ القلب، ورفعتْ عنه الحجاب!
كما تعود دمعة إلى سريرها الوثير في العين، أُعيدُ كتابة سيرة الهذيان!
-3-
وعودة لتساؤلاتنا الحارقة..
أيصح أن نبكي اليوم عما آلت إليه حالتنا من خراب ربما يكون غير مسبوق؟ وماذا يفيد البكاء؟ أليس هو دليل عجز، إن لم يكن صاعقا «يكهرب» الهمة، ويشعل الأفق؟
ما اشد القهر الذي يأكل صدورنا ونحن نرى كل هذا الانتكاس فينا، والانتعاش في عدونا، ومع هذا، يجب أن نبكي حتى فرحا، كي نحرمه لذة الشعور بالانتصار، وكي نرتكب أجمل حماقاتنا، التي تركد تمسكنا بالحياة، فالبكاء كما الفرح مقاومة للاحتلال، وتأكيد على إنسانيتنا، وتمجيدنا للحياة لا للموت فقط كما يزعم!