رسالة الى انسان عادي جدا
بدءا لا تصدق ان من سموك عاديا هم الأعلى او الافضل ، فان كانوا من المشاهير الذين تراودك النفس بالتقاط صور تذكارية معهم فان تسعين بالمائة منهم على الاقل كذبوا ونافقوا ووظفوا انانيتهم لصالحهم فقط وعلى حساب الاخرين اذا تطلب الامر وهو غالبا ما يتطلب.
انت من المهد الى اللحد تكابد لتأكل وتربي ابناءك وتعلمهم ، وعصاميتك الفذة وحدها ما اتاح لك ان تحقق ذاتك بهذا القدر او ذاك انت عادي لانك لم تتطلع الى ما يملكه سواك ولم يسل لعابك على ما لا تملك ، وقناعتك يسمونها في معاجم الوصولية سذاجة ، وانسجامك مع نفسك يسمونه قصر ذيل.
لا تصدقهم وصدق ابتسامة طفل يحبو نحوك وتشم فيه رائحة الامان القديم الضائع ، ومن يرون انفسهم غير عاديين بمقياس غامض لا وقت لديهم كي يداعبوا حفيدا او حفيدة ، ولا وقت لديهم كي يتأملوا تجاعيد الزمان في جبين ام او جدة ، انهم هناك دائما في مكان ما مجهول بالنسبة اليهم ، ويفرض عليهم وَهْمَ الاستثنائية والتفوق الكاذب ان يرددوا اغنية سيد درويش الحكيمة وهي عليك ان تطأطئ ثم تطأطئ كي تعلو.. فاي علو هذا الذي ثمنه ملامسة الجبين للقدمين؟؟
انت المحارب الذي لا اسم له او تمثالا وانت بطل الرواية ومؤلفها في وقت واحد رغم انك على الهامش وينظر اليك العميان على انك كومبارس ، لانك عرفت الخجل ، وتتذكر مواعظ امك التي لم تكن بائعة متجولة لمساحيق النفاق وما تجميل كل ما هو قبيح،
الجندي المجهول انت بقدر ما انت الجندي المعلوم ايضا ، فنحن جميعا .. من يكتب ومن يرسم ومن يعمل في مصنع ومن يتاجر مدينون لك وحدك بعدم انقطاع تيار الكهرباء الذي تسهر عليه وبنظافة الشارع الذي نعبره ، فانت قد تكون طبيبا او مهندسا او اسكافيا او نجارا او جنديا ، لكنك صانع الحياة من خلال كل هذه المهن.
ارجوك ألا تصدق من ينظرون اليك كما لو انهم جاهزون لالتقاط الصور ، بوجوه ذات اقنعة مكوية.
فانت تتحدث كما تتحدث امك ، دون ان تعوج لسانك ، فهذا فالنكتة حين ترميها تكون عفوية وحزنك يصبح كفرحك لانك مكشوف لنفسك اولا ، ولانك لا تتعاطى دواء كي تستطيع النوم بلا كوابيس.
الكوابيس من حصة هؤلاء الذين لا يشبهون انفسهم على الاطلاق ، وضحايا الشيزوفرينا ، لانهم غزلان في النهار وقردة في اخر الليل ، لا يجرؤون على النظر الى وجوههم في المرايا لفرط ما كذبوا وقلصوا او مددوا ملامحهم ، انهم يقطعون النهار كما لو انهم يقطعون مستنقعا بحذر بالغ من اللدغ ، لكنك انت وحدك الذي يقطع النهار وكأن الظهيرة وسادة قيلولته ، فانت لم تقتل احدا ، ولم تفكر بذلك ، ليس لانك صدقت مواعظهم المخدرة ومددت ساقيك على قدر فراشك بل لانك تعيش ابا حقيقيا مثلما كنت ذات يوم ابنا حقيقيا ، وانت تخاف من الموت لان وهم الخلود ليس من عالمك ، بل من عالم هؤلاء الذين يعملون لدينا هم كأنهم يعيشون ابدا ، ولا يكملون الوصية،
صدقني ايها المسمى عاديا جدا وفق التصنيفات الوهمية بانك تستحق حسد هؤلاء الذين يشفقون عليك ، لانك لا تنوء بحمولة ثقيلة ، ولم تؤذ احدا ، وان آذيته فبالقدر الذي يشفى منه سريعا بعكس من سموك عاديا ، الذين يشبهون البق او العلق ، فالدم الذي يجري في عروقهم ممصوص من دم الاخرين،،(الدستور)