عن نكباتنا المتناسلة
ترددت طويلاً قبل الشروع في الكتابة عن الذكرى السبعين للنكبة ... أصدقكم أنني لا أتوافر على جديد أشرككم به ... لكن وقع المناسبة، وتزامنها مع نقل السفارة الأمريكية – رسمياً – إلى القدس، جعل النكبة نكبتين، وبصورة لم تترك متسعاً لأي عناوين أخرى، أتناولها في مقالة اليوم.
هل أحدثكم عن عنصرية إسرائيل وعدوانيتها وشهيتها المفتوحة على التوسع والاستيطان ... هل أحدثكم عن غطرستها و”مروقها” ودور “أزعر الحي” الذي تضطلع به مذ أن قامت على المجازر والتشريد والتهجير ... لن أضيف جديداً إلى ما يعرفه كل واحد منكم، أو واحدة منكن.
هل أحدثكم عن نفاق الغرب، ودوره المؤسس للمشروع الصهيوني و”وعد بلفور”، سليل “سايكس بيكو” وتقاسم المنطقة بين الدول المستعمرة ... هل أحدثكم عن الدور الأمريكي في المنقلب الثاني من القرن الفائت في حماية إسرائيل وتشجيعها على العدوان والاستيطان والتوسع .... هل أحدثكم عن “وعد ترامب” وكيف انتقل الانحياز الأمريكي الأعمى لإسرائيل، إلى انحياز أعمى آخر، ولكن لمستوطنيها وعنصرييها ويمينها المتطرف دينياً وقومياً... جميعكم تعرفون ذلك، وقد عشتوه وعايشتوه، ولدى كل واحد منكم، وواحدة منكن، ما يمكنه ويمكنها أن تضيفه إلى هذه العجالة.
هل أحدثكم عن الانقسام الفلسطيني، والحاجة للمصالحة واستعادة الوحدة الوطنية، لا شك أن إحساساً بالغثيان سيصيبكم، ودوارٌا في الرأس قد يطيح بقدرتكم على القراءة والتركيز ... أم هل أحدثكم عن لحظة الاستحقاق والحقيقة، بعد أن وصل المشروع الوطني الفلسطيني إلى طريق مسدود، وانعدمت الفوارق بين ما كان يعرف بـ “خيار التفاوض” و”خيار المقاومة”، في صراع الضواري على “سلطة لا سلطة لها”... ما الذي سأقوله لكم، إن كان مشروع ترامب وضياع الأرض والحقوق، والقدس والمقدسات، ليست جميعها عوامل كافية لتوحيد “الإخوة الأعداء” ... ما الذي سأحدثكم به إن كان ما يفعله هذا الفريق، لا يمكن فهمه وإدراك كنهه إلا في سياق الصراع والتنافس و”نهش القطط” مع الفريق الآخر ... لم تعد لدي الطاقة النفسية والمعنوية والأخلاقية، على الحديث في هذا الشأن بأكثر مما تحدثتم وتحدثنا.
هل أحدثكم عن “منظمة التحرير”، الممثل الشرعي الوحيد، وطن الفلسطينيين الى أن يتحرر وطنهم السليب، وما الذي بقي منها على الأرض، خارج الـ “غرفتين وصالة” في رام الله... هل أذكركم بالوعود “العرقوبية” التي طالما قًطعت جزافاً، بالجملة والتقسيط، من دون أن ترى طريقها للترجمة، أو تستحق الحبر الذي كتبت به ... ما الذي سأضيفه إلى ذاكرتكم الحية واليقظة في هذا الصدد.
هل أتوقف وإيّاكم، أم تهتك الحال العربي وتفسخه ... هل أنبئكم بمحاولات البعض من قادتنا إعادة قراءة التاريخ والسرديات، بما ينسجم مع الرواية الإسرائيلية ومنطوق “وعد بلفور” ويعيد انتاجهما، بل و”يشرعنهما” ... هل أحدثكم عن مسلسل الهرولة المذهلة نحو التطبيع مع سلطات الاحتلال وعناق الفرق الرياضية وتبادل الأنخاب في الغداءات والعشاءات التي باتت تلتئم تحت ضوء الشمس وليس خلف الأبواب المغلقة ... هل أحدثكم عن هزيمة النظام العربي الرسمي، أو بالأحرى “اللا نظام العربي” بعد أكثر من سبعين عاماً على قيامه من أجل فلسطين وبهدف تحريرها ... هل أحدثكم عن الجدل المخجل بشأن مكانة القدس، وأيهما أكثر تعلقاً بالمدينة، العرب والمسلون أم اليهود والإسرائيليون، الذي يدور في أوساطنا، ويندرج على ألسنة علمائنا... هل أذكركم ببعض مقولات فقهاء الظلام، الذين ينكرون على الأقصى مكانته كأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ... ما الذي سأخبركم به في هذه العجالة.
وبم سأعدكم في نهاية المقال، بحرب لن تبقي حجراً على حجر في إسرائيل، من سيشنها ومن سيخوضها ... بموقف عربي “مزلزل” من ترامب ونتنياهو ... بيقظة العالم الإسلامي ومليار ونصف المليار مسلم، أين هم هؤلاء ... بيقظة الضمير العالمي وتدخل المجتمع الدولي، أنتم الذين اكتويتم بنيران غفلة الضمير ونفاق المجتمع الدولي ومعاييره المزدوجة ... هل أعدكم بيقظة الحس الوطني، واحتكام الكل الفلسطيني إلى المصلحة الوطنية العليا (نكتة سمجة) لم تعد تطرب أحداُ ... بم سأعدكم ... لا شيء في جعبتي سوى الرهان على الأجيال الفلسطينية الشابة والناشئة، وعلى الضمير الجمعي والذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني، لا شيء لدي سوى الرهان على أن شعباً طارد حقوقه الوطنية لأكثر من مائة عام من دون كلل أو ملل، لن يموت ولن يستكين.
الدستور - الثلاثاء 15/5/2018