خيط ضوء في نتائج الانتخابات العراقية؟!
تصدرت القوائم الشيعية الانتخابات العراقية بالترتيب الآتي: قائمة النصر (رئيس الوزراء حيدر العبادي)، قائمة سائرون (مقتدى الصدر)، قائمة الفتح (هادي العامري قائد الحشد الشعبي)، قائمة دولة القانون (المالكي)، والمرجح أن تتحالف قائمتا العبادي والصدر الأعلى أصواتا مقابل قائمتي المالكي وهادي الأقرب لإيران، ثم هناك القائمة الخامسة الشيعية بزعامة عمار الحكيم (الحكمة) التي ستنضم الى أحد الحليفين اللذين سيبحثان لتشكيل الحكومة الاتحادية عن حلفاء من الأكراد؛ حيث يستمر الحزبان الكبيران الوطني الكردستاني الذي يتصدر في السليمانية، والديمقراطي الكردستاني الذي يتصدر في أربيل، ومن السنة الذين تتصدرهم قائمة القرار برئاسة النجيفي وقائمة الوطنية (إياد علاوي) الوحيدة العابرة للطوائف. ثم هناك قوائم محلية صغيرة ومرشحو الأقليات الدينية والعرقية. وخاض الانتخابات أكثر من 300 قائمة و7 آلاف مرشح في 18 محافظة للمنافسة على 392 مقعدا، وهو عدد هائل مقارنة مع الأردن مثلا.
سيكون تشكيل الحكومة صعبا بسبب التفتت الشديد للتركيبة البرلمانية المكونة من عشرات عدة من الائتلافات والمستقلين، وليس هناك فئة تملك أي أغلبية، ناهيك أنه من غير الوارد تشكيل حكومة من دون أن تشارك فيها قوى رئيسية من المكونات الثلاثة الرئيسة؛ الشيعي والسني والكردي، وبنسب مقبولة من كل طرف، مع التسليم سلفا بغلبة المكون الشيعي والمنقسم هو نفسه الى خمسة ائتلافات رئيسة الى جانب مجموعات أصغر؛ أي أن ائتلافا حكوميا سيخضع لمقايضات مضنية لأطراف عديدة، وقد تمر أسابيع طويلة قبل التمكن من تحقيق تفاهم معقول يملك الأغلبية وبمشاركة من الأطراف الثلاثة الرئيسة؛ أي الشيعة والسنة والأكراد، ولن يكون سهلا التفاهم على القضايا الوطنية الرئيسة والمحاصصة من قبل القوائم الرئيسة الكردية والسنية مع القوائم الشيعية حتى مع تلك الأقل ارتباطا بطهران بسبب التباين الشديد في الأجندات والمصالح. وفي كل الأحوال، ستبقى الحكومة محكومة بالهشاشة الشديدة، وفي الأثناء بقاء كبار النافذين ماليا وميليشياويا بمفاصل السلطة الفعلية وبقاء الفساد العارم ونهب المال العام وترحيل المشاكل العويصة مثل التوازن بين المكونات والصراع الديموغرافي في بعض المناطق وقضايا المهجرين وإعادة الإعمار.
لكن تشكيل الحكومة ليس المشكلة الجوهرية، فما يحتاجه العراق هو توفر إرادة سياسية قوية جدا لتجاوز المصالح الطائفية والشخصية والإقدام على عملية سياسية مختلفة تحقق الشراكة الوطنية لمرحلة انتقالية يعاد فيها بناء الدولة العراقية وإصلاح المؤسسات، لكن من هي الجهة التي تملك هذه الإرادة والقوة الكافية لقيادة هذا المشروع؟! وحسب التحليلات لمدخلات العملية الانتخابية وهي كانت تحليلات شديدة القتامة والتشاؤم، فليس متوقعا أن تكون المخرجات مختلفة، وقد سادت الانتخابات نفسها مظاهر شراء الأصوات والاستخدام البشع للمال الى جانب اتهامات التزوير والتلاعب بالانتخابات هنا وهناك، ولعل النتيجة السلبية الرئيسة هي تراجع الإقبال على الانتخابات (45 % مقابل 65 % في الانتخابات السابقة)، بما يعكس تراجع ثقة الناخبين بالانتخابات والقوى الموجودة المسؤولة عن الفساد والتدهور العام.
تقدم العبادي والصدر يمكن النظر له إيجابيا باعتبارهما أقل طائفية وتبعية لإيران وأكثر انفتاحا على الشراكة الوطنية. رغم تصريح هيئة الانتخابات بالتحفظ على أي أرقام واعتبارها إشاعات بانتظار النتائج الرسمية التي ستحتاج إلى يومين على الأقل. والتفاؤل بتصدر هذين الحزبين هو من باب البحث عن خيط ضوء في المشهد العام القاتم للعراق العزيز.
الغد - الاثنين 14/5/2018