صدقوا أو لا تصدقوا
محمد خير شاب أردني (26 سنة)، يسكن أحد أطراف عمان، أنهى قبل أقل من ثلاثة أعوام تعليمه الجامعي، لم يجد العمل الذي حلم به، ولا حتى العمل الذي لم يحلم به أبدا، استيقظ فجأة على أن أكثر من ربع وقته يضيع تحديقا في هاتفه الذكي، وبعد محاولات عديدة، قرر إطلاق مدونة إلكترونية يبث من خلالها انتهاكات بعض سائقي السيارات المتهورين في شوارع عمان، نجح في رصد حالات متعددة من أشكال الانفلات. خذ على سبيل المثال قطع إشارات المرور الحمراء وسلوك المسرب المخالف والسرعة الطائشة، ونال الفيديو الذي رصد فيه شاب يمارس الدوران المتهور (التخميس) في وقت متأخر من الليل، مشاهدات واسعة دفعت الأجهزة الأمنية الى اتخاذ إجراءات وردود فعل مباشرة، وبعد أن دشن قناة على "يوتيوب"، أخذ يجني من وراء الإعلانات مبالغ بسيطة، ما شجعه بدءا من العام الماضي على رصد سلوكيات اجتماعية وانتهاكات للقانون.
أصبحت قناة "يوتيوب" التي تحمل اسم (x سلوك) يرتادها عشرات الآلاف واستطاعت أن ترصد عشرات السلوكيات المخالفة مثل التحرش الجنسي في محلات صغيرة في ضواحي الجامعة، وبيع الأبحاث لطلبة الدراسات العليا في المنطقة نفسها، كما لا يمكن تجاوز الفيديو الذي وثق إحدى حالات تلقي الرشوة.
ولأن النجاح بالنجاح يذكر، لا بد من التذكير بقصة الفريق الطلابي الذي تشكل نتيجة شبكة التبادل الطلابي لطلبة كليات الهندسة وتكنولجيا والمعلومات في الجامعات الأردنية، الذي استطاع أن يطور تطبيقا على التلفونات الذكية يقدم خدمات الإنذار وقت الفيضانات في البترا، كما يقدم خدمات التتبع للسياح في المحمية الأثرية التي تمتد على مساحة نحو 265 كيلومترا، وأتاح لأول مرة إمكانية تتبع حركة الأفراد والمجموعات داخل الموقع الأثري، وأتاح أيضا إرشاد السياح الى أماكن الأمان التي يجب أن يلجؤوا اليها إذا داهمهم أي خطر مثل السيول أو إذا تأخروا في الليل وفقدوا الطريق. مؤخرا سمعت أن هؤلاء الشباب قرروا إنشاء شركتهم الخاصة وهم يتفاوضون مع جهة حكومية لبيعهم هذا التطبيق الذي من المتوقع أن يجعل رحلة البترا أكثر أمانا ومتعة.
في الزرقاء وإربد والكرك، تحدث أمور لا تقل أهمية، فقد ساعدت مسرعات الأعمال الجديدة والحاضنات التي أنشأتها الجامعات والمعاهد، الشباب، على إنشاء مئات الشركات الجديدة التي تعتمد على توظيف التكنولوجيا، وتحديدا تكنولوجيا المعلومات، وبدأنا نلمس آثار هذه الشركات الناشئة في تقديم الحلول لعشرات المشكلات وفي توفير وظائف جديدة وفي تسهيل الحياة، ساعد التطبيق الذي طورته إحدى الخريجات على مساعدة مصفاة البترول على تحسين جودة أسطوانات الغاز من خلال رصد وتتبع شكاوى المواطنين وتسهيل الإبلاغ عنها، كما أن الكثير منا سمع عن بشائر نمو صناعات إبداعية جديدة في إربد والعقبة والبترا، انتبهوا الى المتاجر الإلكترونية المبهرة لبيع السوفنير والهدايا التي تصل الى كل مكان في العالم.
كل ما ذكر، كان ببساطة يمكن أن يحدث هذه الأيام لو استمر الأردن في انطلاقته التي بدأها مطلع القرن في مجال تنمية قطاع أعمال جديد، لو لم نحول هذا القطاع الى مجرد إيديولوجيا ودعاية. لذا؛ لا تصدقوا كل ما ذكر أعلاه.