خياراتُنا المعقّدة!
يحاول المسؤولون الأردنيون التحايل على الوقائع الجديدة المرّة المرتبطة بحجم الخلاف والتباين مع الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس، دونالد ترامب، بخاصة في نسختها الجديدة، التي استبعدت العناصر "المعتدلة" كافّة وعزّزت صفوف "الصقور" المؤيدين لإسرائيل فيها.
صحيح أنّ هنالك صعوداً وهبوطاً ومساحات من الاتفاق والاختلاف، تاريخياً، بين الأردن والإدارات الأميركية، وصلت في أسوأ مراحلها في العام 1991، بعد أزمة الخليج الأولى، مع حالة حصار عزلة شبه كلية مع الدول العربية، باستثناء العراق حينها. إلا أنّ الأمور لم تصل إلى ما نواجهه حالياً من "مأزق" مع الإدارة الحالية، التي قامت بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، مع تسريبات مقلقة جداً عن قرب إعلان "صفقة القرن"، التي من الواضح تماماً أنّها لصالح الطرف الإسرائيلي، جملةً وتفصيلاً.
ما الفرق بين الوضع الراهن والأوضاع السابقة؟
أكثر من جانب، في مقدمة ذلك مساحة المربعات المتاح للأردن التحرّك فيها والمناورة محدودة جداً، فردود فعل الرئيس وأركان إدارته على المواقف الأردنية الدبلوماسية المعارضة لموضوع القدس تشي بحجم النزق وضيق الأفق، وعدم القدرة على تحمّل مواقف واضحة في مواجهة هذه السياسات.
الجانب الثاني الأكثر أهمية يتمثّل بانكشاف الأردن استراتيجياً أمام اليمين المزدوج، الأميركي-الإسرائيلي، مع وجود مشروع عربي آخر يرغب بتمرير "الصفقة" والتطبيع مع إسرائيل، والتقارب مع إدارة ترامب في مواجهة "أولوية الخطر الإيراني"، بما أنّ الأول قام بدوره في التفاهمات الضمنية، فألغى الصفقة مع إيران، فإنّ الطرف الآخر -العربي- عليه القيام بدوره بالضغط باتجاه "إنجاز" صفقة ترامب!
الجانب الثالث يتمثّل بحالة الحصار الموضوعي، الذي يطاول الأردن، وتراجع قوة شبكات تحالفاتنا وتناقض مصالحنا الاستراتيجية مع هذه الشبكة. كيف؟! الأردن يعتمد بدرجة كبيرة اليوم على المساعدات الأميركية، التي وصلت إلى درجة قياسية مقارنة بالمراحل السابقة، ومع وجود إدارة نزقة، فإنّ هذه المساعدات المهمة ستنقلب لسلاح يستخدم ضد الأردن.
في الوقت نفسه هنالك انقطاع شبه كامل للمساعدات العربية، التي شكّلت دوماً دعامة رئيسة للاقتصاد الأردني، وهذه التحالفات (مع الأميركيين والنظام العربي) تضغط باتجاه معاكس تماماً لرؤية الأردن لمصالحه، ما يجعل من تماسك هذه الشبكة مشكوكاً فيه، بالتوازي مع ضعف شديد في وضع السلطة الفلسطينية، التي من المفترض أن تمثّل الطرف الذي يقف بصلابة ضد "صفقة القرن".
في المقابل، تبدو حسابات تركيا وإيران اللتين تقفان بقوة ضد قرار ترامب بعيدة عن المصالح الاستراتيجية الأردنية، وعن تقديرات الأردن، بالرغم من مشاركة الأردن الفاعلة في القمتين اللتين عقدتا في إسطنبول بدعوة من الرئيس التركي، على خلفية قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أولاً، ونقل السفارة ثانياً، وعلى الرغم كذلك من الدلالات التي قد يبنيها البعض على لقاء الملك بالرئيس الإيراني حسن روحاني خلال القمة.
في المحصلة، الوضع صعب جداً ومعقّد، ويتزاوج مع الأزمة المالية-الاقتصادية الداخلية الخانقة، ومع ظروف إقليمية مضطربة ومتوترة تماماً حولنا، بخاصة في ظل تصاعد الأزمة الإيرانية-الأميركية/ الإسرائيلية بعد قرار ترامب بإلغاء الاتفاقية النووية.
صحيح أنّ الأردن ليس طرفاً مباشراً في رفض صفقة القرن، فالكرة في ملعب السلطة الفلسطينية، وصحيح كذلك أنّه لا يوجد فلسطيني يملك القبول بها اليوم، مع ذلك فإنّ التخفيف من أضرار سياسات هذه الإدارة على الأردن والمنطقة والفلسطينيين، ومن حجم التحولات في الموقف العربي غير منطقي أيضاً، لأنّنا مطالبون في النهاية باتخاذ مواقف وبحماية مصالحنا الاستراتيجية، وهو بالتأكيد ما نقوم به، لكن "الكلفة" الحقيقية لذلك ليست محدّدة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة!
الغد - الاثنين 21/5/2018