هل نحن دولة معقدة؟
على مدى عقود مضت، لم تتوقف تقارير خارجية صادرة عن مؤسسات بحثية وإعلامية وأمنية مرموقة عن الإشارة، بين وقت وآخر، إلى ملحمة أردنية في الاستمرار والاستقرار وفي بناء المؤسسات وتوفير البنى التحتية والخدمات كما هو الحال في إرسال إشارات الإعجاب والتساؤل: كيف تتفوقون حتى على بعض المقتدرين من جيرانكم؛ وكان لهم كل الحق في ذلك. في المقابل لم تتوقف رسائل أخرى من الأصدقاء والخصوم والأعداء تحذر من هشاشة جيوسياسية وديموغرافية مفرطة، ومن نضوب الدور ونهاية الوظيفة وصولا الى القصة الكبيرة كيان بدون موارد؛ ولهم أيضا الحق أحيانا في ذلك! لطالما كانت الدولة الأردنية في العقود الثلاثة الأخيرة بالفعل مثالا على البناء وسط العاصفة ومثالا على بناة أقوياء وأكفياء، وآخرين حفروا تحت الأساسات.
تعرف أجيال الأردنيين مصادر الضعف والتهديد التي تحيط بدولتهم، واليوم ازداد الوعي أكثر بمصادر التهديد النابعة من الداخل، لم تصل الدولة الأردنية على مدى قرن من عمرها الى مفهوم الدولة الفاشلة المعروف في العلوم السياسية ولا مستويات من الأوصاف مثل الدولة الرخوة والدولة المنقسمة وأخيرا الدولة العميقة، فيما نال الدولة الأردنية الكثير من الأوصاف الإيديولوجية، وأهمها الدولة الوظيفية، وهو وصف دعائي اخترعه الإيديولوجيون العرب في معارك التحالفات السياسية.
حديثاً؛ برز مفهوم الدولة المعقدة، وهو المفهوم الأحدث في قاموس وصف أحوال الدول في العالم، ويشير الى ظاهرة من التعقيد والتناقض وتعدد العوامل وتداخلها التي تحدد طريقة فهم الدولة والقوى الفاعلة فيها والقوى المؤثرة أيضا، فالدولة المعقدة قد تكون دولة صغيرة أو كبيرة وهي قد تملك مؤسسات تبدو قوية ومتماسكة ومؤسسات أخرى ضعيفة ومترهلة، وقد تملك رؤية واضحة وعميقة في مجال ما بينما تعاني من غياب الرؤية والغموض في مجال آخر. قد تعاني من تهديدات تقليدية وتهديدات فوق تقليدية في الوقت نفسه، وفي الدولة المعقدة تبرز قوة الشعبوية الجديدة وتأثيرها العميق في صناعة السياسات وتشكيل النخب السياسية.
في الدولة المعقدة، ثمة ماكنة كبيرة تشتغل ليل نهار على إنتاج السياسات وتسويقها وثمة فشل في تنفيذها، المشكلة الأخرى أن ذاكرة الدولة هنا قصيرة وذاكرة المجتمع أقصر؛ أي استرخاء في أنظمة المساءلة، وفي الدولة المعقدة هناك قدرة فائقة على إبداع الأفكار وعلى الريادة، لكن ذلك يتحول إلى سياسات منقطعة وساسة كل يعمل وحده في جزيرته ما يمنع من تحقيق التراكم والاستدامة، ينسحب هذا على مبدأ سيادة القانون، فعلى قدر ما تبدو شكيمة المؤسسة الأمنية قوية فإن ثمة عوامل متعددة تهشم من قوة القانون ومن الانضباط العام ومن قدرة المؤسسات على خلق حالة صحية من الردع العام. ويبقى السؤال المعقد الذي يواجه هذا النمط من الدول: كيف تخلق توازنات بين الإصلاحات والاستقرار؟
في الدولة المعقدة، يصعب فهم علاقة الداخل مع الخارج؛ فالكثير من القضايا الإقليمية والدولية قد تصبح قضايا محلية ووطنية وعلى الدولة أن تتعامل معها، وعلى سبيل المثال، قد تصبح مسألتا الهجرة واللاجئين عبر الحدود داخليتين على الدولة أن تتعامل معهما ضمن مواردها وإمكانيتها، وعليها أن تستوعب كتلة سكانية كبيرة فجأة، وهنا تنفرط مسبحة خططها وسياساتها وقد تدخل في متوالية جديدة من التعقيد.
وفي الوقت الذي تتمتع فيه الدولة المعقدة بحزمة متفوقة من التشريعات وأشكال التنظيم، بقيت المؤسسات التمثيلية شكلية ومفرغة من مضمونها، وحينما تزداد أزمة هذا النمط من الدول، تهيمن على الحياة العامة الشللية السياسية والاقتصادية والإعلامية والعلاقات الزبونية؛ ترى هل نحن دولة معقدة؟
الغد - الاحد 3/5/2018