معادلة جديدة.. "جيل الشباب"
تابعت خلال مرحلة الاحتجاجات والأيام الماضية عشرات صفحات التواصل الاجتماعي، على موقعي تويتر والفيس بوك، لشباب أردنيين ممن انخرطوا في الاعتصامات والمسيرات، أو من شاركوا بغزارة بآرائهم ومواقفهم في المناظرات التي وقعت على خلفية هذه التطورات.
تفاجأت كثيراً بحجم الوعي والثقافة والتطوّر لدى هذا الجيل الذي عبّر عن نفسه مؤخراً، وأعلن عن وجوده وقدّم أوراق اعتماده بوصفه لاعباً أساسياً في "تشكيلة المرحلة المقبلة"، ما يؤكد أنّ ما حدث في أيار وحزيران مؤخراً ليس إلا بداية لانخراط جيل الشباب بصورة فاعلة في الحياة السياسية، وهو الذي صمت طويلاً، لكنّه عرف الطريق اليوم إلى الفعل والتغيير.
اطّلعت على أسماء العديد من الشباب وإنجازاتهم من مختلف الألوان والتيارات الفكرية، الليبراليين واليساريين الجدد، والإسلاميين والإسلاميين الجدد، والمستقلين، والقوميين، وإن شدّني أكثر مجموعة الشباب الليبرالي، الذي أسهم في أكثر من أيّ وقت مضى في الاحتجاجات، ما يؤكّد أنّنا أمام ليبرالية أردنية، تأخذ طابعاً أوضح في التعبير عن نفسها حركياً وثقافياً، والأهمّ من ذلك سياسياً، بعدما كانت في السابق عبارة عن بعض الشخصيات والنخب المحدودة، أو ذات طابع اقتصادي بحت في الأعوام الماضية، أمّا اليوم فالشباب الليبرالي الجديد يحمل مشروعاً مختلفاً تماماً عن الصورة التقليدية لليبرالية الأردنية.
الحال نفسها لجيل من الشباب اليساري والشيوعي الجديد، وللشباب الإسلامي الجديد، ونسبة كبيرة من الإناث الفاعلات. وهنالك تنوع أيضاً في الخلفيات المهنية والاجتماعية والتعليمية والثقافية، كذلك الإقامة فنسبة معتبرة من المتفاعلين عبر السوشال ميديا تقيم في الخارج، بسبب ظروف العمل، سواء في الخليج أو أوروبا.
لم تتوقف النقاشات والحوارات بين الشباب على المواقع الافتراضية، بمجرد نهاية حركة الاحتجاج، ولم يشعروا بأنّ المهمة أنجزت وأنّها مقتصرة على القانون أو القرار أو الحكومة، بل يبدو أنّهم اكتشفوا ذاتهم من جديد، لذلك بدأ الحوار حول المرحلة المقبلة، فيما إذا كان التوجّه الأفضل نحو تأسيس حزب شبابي أو منصّات أو تيار جديد.
كان هذا الجيل من الشباب يكاد يكون غير مرئي، لا يحسب له أحد أي حساب، منذ اليوم قواعد اللعبة تغيّرت ومن الضروري أن يتم استيعاب هذا الجيل وزخمه الكبير في المجال العام، وربما يتناسب ذلك تماماً مع إشارة كتاب التكليف السامي لعقد اجتماعي جديد وتصريح رئيس الوزراء المكلف، د. عمر الرزاز، بضرورة الوصول إلى منهج جديد.
هذا وذاك يدفع إلى ضرورة إدراك النخب الرسمية والسياسية أنّنا على أعتاب مرحلة جديدة، مختلفة نوعياً عن المراحل السابقة، تتزاوج مع تأكيد أهمية ترسيخ سياسات الاعتماد على الذات، بما يحمله هذا المفهوم من تحوّل في المعادلة السياسية-الاقتصادية، ويتضامن مع مفهوم "العقد الاجتماعي" الذي ينقل الاقتصاد من الرعوية إلى الإنتاج.
كما أنّ هذه المرحلة الجديدة تستوعب المتغيرات والتحولات الاجتماعية والاقتصادية المفصلية التي كشفت عنها الاحتجاجات الأخيرة وتتمثل بجيل شبابي جديد دخل إلى المشهد، وطبقة وسطى عريضة تحرّكت وانتقلت من الركود إلى الحيوية، ومحافظات تشعر بالقلق وعدم الأمان من الظروف الاقتصادية والمالية تريد أن ترى أفقاً مستقبلياً، كل ذلك يستدعي تفكيراً جديداً تماماً.
الغد- الاربعاء 13/6/2018