طهران- المتوسط!
ما تزال عملية المفاوضات بين الروس والمعارضة المسلّحة، في درعا، بين مدّ وجزر. فهنالك انقسامات في صفوف المعارضة، على أكثر من صعيد. في المقابل ما يطلبه الروس منهم أقرب إلى "شيك استسلام" على بياض، من دون وجود ضمانات حقيقية لليوم التالي لإلقاء السلاح!
هل هنالك أفق في المقاومة والإصرار على المواجهة المسلّحة إلى النهاية من قبل المعارضة؟ الجواب: نعم مشروطة، والشروط كبيرة وضخمة، في مواجهة آلة الدمار الروسية والقتل واستراتيجيات الأرض المحروقة، وهي شروط لا تبدو أنّها متوافرة اليوم في درعا، بعدما تمّت عملية الاستلام والتسليم بين الأميركان من جهة والروس من الجهة الثانية، ومع الخلافات والتباينات في أوساط المعارضة.
الروس يقومون عملياً بقصف عسكري مكثّف لإجبار البلدات على المصالحة (البيانات الأولية تؤكد مقتل 200 مدني في درعا إلى الآن، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان)، وعزل القرى عن بعضها، ثم سياسة الأرض المحروقة، التي استخدمها الروس في حلب، والأميركيون في الموصل؛ أي هدم الحجر على رؤوس البشر، من دون أي تحفّظ أو رادع، أو حتى مجتمع دولي يقول ولو كلمة واحدة، الجميع يغمض عينيه اليوم عن "جرائم الحرب" في درعا، إلى حين اكتمال "المهمة الدموية"!
الأفق الوحيد المتاح، بعدما خرج الداعمون الدوليون والإقليميون من الصورة تماماً، بالنسبة للمعارضة المسلّحة هو "إطالة أمد" القتال، ورفع الكلفة، واستخدام تكتيكات عسكرية مرنة للتعامل مع التفوق التكنولوجي الكاسح، وإبعاد المدنيين عن مناطق القتال، وهو خيار معقّد وصعب، ويتطلب قيادة موحّدة عسكرياً ولها رمزيتها، وهو أمر غير متوافر.
بالنتيجة؛ كلفة إنسانية باهظة وكبيرة، وكلما استمر القتال ارتفع عدد النازحين نحو الحدود الأردنية، إلى أن يصل إلى عشرات الآلاف، وربما مئات الآلاف، فأسلوب القصف الروسي يهدف في الأصل إلى التخويف والترهيب لفرض شروط التسليم.
الروس تخلّوا عن اتفاقية خفض التصعيد عندما أتيحت لهم الفرصة، والأميركيون لم يرمشوا وهم يسلمون درعا، والدول العربية انسحبت تماماً من المشهد، وبقي الإيرانيون والروس وحزب الله الطرف الأقوى والأكثر نفوذاً في الصراع، ليس فقط في درعا، بل في سورية والعراق ولبنان!
أطرف ما في الأمر أنّ دونالد ترامب الذي يبيع العرب قصة مواجهة النفوذ الإيراني قام بتسليم سورية لإيران، ومن دون شروط حقيقية، لأنّه -كما سرّبت جريدة الأخبار اللبنانية (المقربة من طهران) في تقرير مهم أمس- لا يوجد ما يفاوض عليه -أي ترامب- فالمعادلة منتهية في العراق وسورية، والأميركان لا يملكون استراتيجية أخرى في درعا!
إذا كانت العراق وسورية ولبنان تحت النفوذ الإيراني اليوم! فماذا بقي من وعود ترامب لـ"شركائه" العرب في تحجيم هذا النفوذ وابتزاز الأنظمة والحصول على المليارات من الدولارات وبيع الأسلحة الكاسدة، غير الوعود الكاذبة والخادعة!
الروس من يقصفون، وآلتهم العسكرية هي من تحسم المعارك، بينما الجزء الأكبر من الربح الحقيقي على الأرض يذهب إلى طهران، والأهم أنّه بالرغم من كل ادعاءات ترامب، دُشّن عملياً خطّ طهران- المتوسط، الذي وعد ترامب بعدم تحقيقه!
الغد - الثلاثاء 3 / 7/ 2018