السلطة وخيار المفاضلة بين السيئ والأسوأ

تم نشره السبت 07 تمّوز / يوليو 2018 12:36 صباحاً
السلطة وخيار المفاضلة بين السيئ والأسوأ
عريب الرنتاوي

لا خيارات سهلة بانتظار الرئيس الفلسطيني محمود عباس وسلطته الوطنية، وفي مختلف الملفات تقريباً، وأحسب أن ما هو متاح اليوم أمامها، هو ضربٌ من المفاضلة ما بين السيئ والأسوأ.
إن هو رفع كافة العقوبات والإجراءات المتخذة بحق حماس، واستتباعاً بحق غزة وأهلها، خاطر بتوفير بيئة تكرس الانقسام وأمّن للحركة فرصة البقاء على مواقفها وفي مواقعها لعشرية قادمة من السنين... وإن هو تشدد في العقوبات، وذهب حتى آخر الشوط في الإجراءات العقابية، قامر بمعاقبة مليوني فلسطيني، يتقدمون صفوف النضال الوطني الفلسطيني في اللحظة الراهنة، وتقع على أكتفاهم أعباء النهوض بالقضية واستنهاضها... ثمة خيط رفيع، ومعادلة دقيقة، بين تضييق الخناق على حماس من جهة، ومعاقبة القطاع وأهله من جهة ثانية، وأي انحراف في البوصلة، أو خطأ في المعادلة، قد يُرتب ما لا تحمد عقباه، والأشهر القليلة الفائتة، كانت طافحة بالجدل والانقسام حول كيفية التعامل مع هذه المسألة.
وإن هو وقف ضد «الصحوة الدولية المفاجئة» لمعاناة القطاع الإنسانية، وبالأخص الأمريكية – الإسرائيلية منها، بدا في موقف المعادي لشعبه والمستمرئ لبقائه تحت سيف الجوع والمرض والحصار، وإن هو ترك الحبل على غاربه، لكل المبادرات، وأغلبها مفخخ ومشبوه، ومشتق من عوالم «صفقة القرن»، قامر بتسهيل تحول «الإنساني» إلى «سياسي»، والمؤقت إلى دائم... 
هنا والآن، تبدو المعادلة دقيقة للغاية، ويبدو السير في أي طريق محفوف بشتى أنواع المخاطر.
إن هو سعى لتطوير علاقاته مع قطر، واستتباعاً تركيا، يصطدم بتبني الدولتين الحليفتين لحماس ومشروعها وسلطتها في القطاع، بل وربما، برغبتهما في إحلال الحركة الإسلامية محل الحركة الوطنية الفلسطينية، وسعيهما الملتبس لتوظيف «الإنساني» لخدمة «السياسي» وتحويل الوضع «المؤقت» في غزة، إلى ترتيب دائم ... وإن هو يمم وجهه شطر الرياض وأبو ظبي، طالعته صورة العقيد المنشق محمد الدحلان، وفاحت عن بعد، روائح البضاعة الفاسدة التي يروّج لها كوشنير وجرينبلات ... وإن هو اختار «المقاومة والممانعة» قامر بتعميق العزلة وتشديد أطواق العزلة حول «السلطة التي لا سلطة لها»، بل وربما سيتعين عليه الاستعداد لترديد ما قاله سلفه الزعيم الراحل ياسر عرفات: «أسيراً... طريداً ... شهيداً».
إن هو أقدم على القبول بشروط حماس للمصالحة، ارتضى لنفسه دور «الطربوش» و»الصرّاف الآلي» لسلطة الأمر الواقع في غزة ... وإن هو ظل على شعاره: سلطة واحدة، بندقية واحدة، قرار واحد، قامر بتأبيد الانقسام ودفعه إلى ضفاف الانفصال ... هو يعرف ونحن نعرف، أن حماس لن تتخلى عن سلطتها في القطاع، وفي أحسن سيناريو، وبلغة الماركسية، حماس مستعدة للتخلي عن «البنية الفوقية» للقطاع، بيد أنها لن تقبل بأي حل يجردها من سيطرتها على «البنية التحتية» للقطاع ... هذه الفرضية يجهد الثرثارون في طمسها، وهم يطلقون الشعارات المستسهلة لتجاوز أزمة الانقسام واحلال المصالحة.
إن هو استمر على موقفه المدعوم شعبياً ووطنياً، والقاضي بمقاطعة واشنطن ووقف كافة أشكال الاتصال معها، فقد الفرصة لمقارعة مبادرتها، وأحاط نفسه بأطواق من العزلة، بل وقامر بمواجهة المزيد من الضغوط العربية والإقليمية والدولية ... لكن مقامرته ستكون خطيرة كذلك، وربما أشد خطورة، إن هو تراجع من دون أثمان، وبدا أنه يعطي إشارات مضمرة على استعداده للقبول بالصفقة التصفوية لحل القضية الفلسطينية، فضلاً عن مقامرته بخسارة تأييد قطاع واسع من الفلسطينيين، ومن جمهوره ومناصريه بالأخص.
لا خيارات سهلة أمام عباس والسلطة، وتزداد الصورة غموضاً والمشهد تعقيداً، بسبب عدم رغبة فريق «الشرعية» الفلسطينية، في «الخروج من جلده»، والبحث عن بدائل وخيارات من خارج صندوقه الصدئ، كأن يجري إعادة ترتيب أوراق القوة الفلسطينية، وأدوات الكفاح الفلسطيني من جديد، لخدمة المرحلة الاستراتيجية الجديدة، التي ولجها النضال الفلسطيني من أجل العودة والحرية والاستقلال.

الدستور - السبت 7/7 / 2018



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات