دعونا نراقب..
إذا كان وقوف الفريق الوزاري بقيادة الرزاز اليوم اختباراً مهماً للحكومة وشرطاً لعبورها إلى المرحلة المقبلة، فإنّ مجلس النواب في مناقشاته للحكومة سيكون في امتحان أكبر وحقيقي لمدى قدرته على تحسين صورته أمام الرأي العام!
بالضرورة يعرف النواب ذلك. لكن من الضروري أن يدركوا بأنّ اجتياز الامتحان أو إقناع الشارع ليس بالهجوم على الحكومة لمجرّد الهجوم واختيار أسلوب الخطابات العرمرمية أو الردح السياسي. في المقابل ليس المطلوب الموافقة العمياء المسبقة، بل ما يحتاجه المواطنون هو نظرية جديدة لعمل مجلس النواب تقوم على احترام ذكاء الناس وعقولهم، وتتجاوز الأساليب القديمة، التي أصبحت مكشوفة سواء في التأييد المطلق أو طلب الشعبية غير المبرر المكشوف.
هذه الحكومة جاءت على وقع إضراب 30 أيار والاحتجاجات الشعبية، التي عكست فجوة عميقة مع المؤسسات السياسية جميعاً، وفي مقدمتها مجلس النواب الذي وصلت الثقة فيه (وفقاً لاستطلاعات الرأي) إلى مستوى متدنٍ أكثر بكثير من الحكومة. فـ"السيستم السياسي" (الحكومة والبرلمان ومؤسسات الدولة المختلفة والأحزاب السياسية..) اليوم بأسره في الامتحان، لأنّ ديناميكيات اللعبة السياسية السابقة لم تعد صالحة ولا قابلة للحياة في المرحلة المقبلة.
دلالة الاحتجاجات الأخيرة ليست في النتائج، بل في الحدث نفسه؛ أي بتشكّل ثقافة سياسية جديدة لدى الطبقة الوسطى والجيل الشاب مغايرة تماماً للمرحلة السابقة، فانتهى زمن اللامبالاة والإحباط والاستسلام لخيبات الأمل، وهنالك استعداد لدى المواطنين للعمل من أجل بلورة نظرية جديدة في إدارة الدولة والشأن السياسي تنسجم مع مصالح المواطنين والشارع.
أهمّ ما في الأمر أنّ "القاعدة الذهبية" السائدة لتمرير الثقة بأي حكومة في المجلس لم تعد مقبولة، ونقصد بها تلك الصفقات التي تتم من تحت الطاولة لمنح الثقة مقابل مصالح خاصة للنواب، أو حتى خدماتية، مثل قضايا التأمين الصحي والوظائف، وبطاقات الحج والمقاعد الجامعية، وغيرها.
مثل تلك الصفقات إذا انكشفت (وإذا وقعت ستنكشف فليس هنالك ما يمكن أن تخبئته اليوم!) لن تقضي على المجلس، بل على مصداقية الحكومة وتخلعها من جذورها، لأنّها -أي الحكومة- جاءت (في الأصل) لتنسف كل هذه المعادلات الكارثية، التي كانت جزءاً من "العقد الاجتماعي" التقليدي (وظائف+ ترضيات للنواب+ مصالح خاصة= الحصول على الثقة)، هذه النظرية في العمل شكّلت جرثومة الكارثة الوطنية الحالية في الاقتصاد والإدارة وحتى السياسة.
إذا أرادت الحكومة عبور حاجز الثقة ومجلس النواب إعادة اكتساب الثقة، فإن الامتحان الحقيقي يكمن في تجاوز تلك "الذهنية السياسية" وإنشاء تقاليد جديدة بين الطرفين تقوم على الرغبة في الإصلاح المتكامل والنظر إلى إصلاح إطار العلاقات السياسية في المستقبل، وإنتاج رؤية جديدة وفكر جديد للمرحلة المقبلة.
الحكم على مجلس النواب بالإعداد ظالم، لأنّ هنالك نسبة كبيرة وجيدة من النواب وجدت نفسها في بيئة سياسية مرتبطة بقواعد قسرية تمنعهم من أداء الدور السياسي الحقيقي. أمّا الآن فمع الحكومة الجديدة وإعلانها السياسي والأفكار الجديدة، من المطلوب أن يتفوق النواب أيضاً على تلك البيئة ويقدموا أداءً مغايراً يحترم ذكاء وعقول وثقافة المواطنين.
دعونا نراقب
الغد - الاثنين 9/7/2018