قبل حادثي الكرك وبعدهما
مثلما كان الامر دائما بعد كل حادث ارهابي او ما يشبهه ، تتوقف الفزعة الاعلامية والشعبية وحتى الرسمية بعد فترة وجيزة ، ويذهب كل في طريق . على اعتبار ان ما حدث اصبح جزءا من الماضي يمكن تذكره في المناسبات السنوية . يمكن قبول هذا السلوك مع الاحداث العادية التي لاتحمل دوافع ارهابية ، اما ان تصبح الاحداث الارهابية جزءا من الماضي ومن التاريخ ، فهذا ما لايمكن قبوله ، لاننا حتى لو حاولنا نسيانها ، فانها حاضرة بيننا بادواتها واسبابها وتداعياتها الفكرية التي تتفاعل بين شبابنا ، وتتطلب اطفاء نيرانها قبل اشتعالها .
نقول هذا لاننا ما واجهناه خلال هذا العام من حوادث ارهابية اثبت بما لايدع مجالا للشك ، اننا نفتقر الى استراتيجية وطنية دائمة ومستمرة لمكافحة الارهاب ، وخاصة على الصعيدين الفكري والدعائي وليس على الصعيد الامني فقط ، لان الحلول الامنية على اهميتها تعالج نتائج الظاهرة الفكرية وليس جوهرها الذي يجب ان يكون من واجب جهات اخرى وليس الاجهزة الامنية .
وفي هذا الصدد لتسمح لنا المؤسسة الدينية بان ندعوها الى انهاء غيابها الفعلي عن ساحة المواجهة مع الفكر المتطرف . فما تقوم به خلال خطب الجمعة الانشائية في المساجد ، وبعض التصريحات والندوات التي تذاع في بعض وسائل الاعلام قليلة المشاهدة ، لايكفي لمناهضة فكر متطرف تغلغل بين شبابنا الذي يعاني من الفراغ الفكري ، وسلب عقولهم بالحديث عن الاسلام والدولة الاسلامية واحياء المجد الاسلامي ، دون ان يواجه بفكر مضاد يثبت بالحجة ، ان ما تطرحة داعش يبتعد عن صحيح الدين سواء بالتاويل او بالممارسة .
على المؤسسة الدينية ان تذهب لشبابنا في مواقعهم وفي نواديهم وتجمعاتهم الثقافية ، وتفتح معهم حوارات فكرية ناضجة وشفافة ، ثتبت لهم بحجة النص المقدس وبالتاريخ النبوي والصحابي ، خطأ ما تذهب اليه داعش ، بل وخطورة ما تقوم به على مستقبل الامة وقبل ذلك على الاسلام نفسه .
اليس لدينا ما يسمى في الدول الاخرى بالمناصحة ؟. اعرف انها تستخدم في بعض السجون بشكل محدود . الا يمكن توسيعها جغرافيا وامدادها بعناصر كفؤة ومقنعة من شيوخ الدين للقيام بهذه المهمة الوطنية والواجبة ؟.
ثم لتسمح لنا الجامعات بان نقول لها ، ان ما تقوم به في مجال مكافحة الارهاب وفي معالجة القضايا الوطنية ككل غير كاف . فالارهاب الذي بدا يدخل البيوت في الاردن والعالم بوحشيته وتداعياته على الاوطان والمجتمعات ، نظن انه اكثر اهمية في بيان اسبابه وخطورته من بعض العلوم الانسانية في هذه الظروف الاستثنائية على الاقل .
على الجامعات ان تقوم بدورها المهم في مكافحة الارهاب سواء عن طريق المحاضرات المنتظمة او الفعل الثقافي الذي يصل مقنعا الى من يجب ان يصل اليهم .فاغلب الشباب المطلوب اقناعهم وتنويرهم موجودون في جامعاتنا .
ثم ليسمح لنا من يهمه الامر بالقول انه لماذا لم يتم دراسة البيئات المنتجة للارهاب او التي تقبل هذا الفكر المتطرف للاجابة على سؤال نعتقد انه هاما ، وهو لماذا قبلت هذه البيئات دون غيرها هذا الفكر ؟ . ان دراسة مثل هذه ، ستبين الاسباب والظروف في هذه البيئات ، بما يسمح معالجتها وتعديلها ايجابيا لتسير في الطريق الصحيح المؤدي الى حماية امن الوطن واستقراره .
ان مكافحة الارهاب عملية متكاملة وشاملة تاخذ ابعادا جذرية في الفكر والفعل الثقافي . وليس من المعقول الاستناد الى المعالجة الامنية وحدها على اهميتها في المدى القصير . وهذه المهمة تقع مسؤوليتها على العديد من المؤسسات الرسمية والاهلية المعنية بالشان الديني والثقافي والسياسي، بحيث تعرف كل مؤسسة دورها وتعد له اعدادا مقنعا ، لان الامر يتعلق بالفكر والدين والفراغ الفكري الذي سمح لفئة ضالة ومضللة ان تخترق مجتمعاتنا في غيابنا عن مفاصلها العقلية والذهنية واحساسها الفطري باهمية الدين في الحياة الانسانية ككل والحياة في مجتمعاتنا العربية والاسلامية .
نظن ان المعالجة المتكاملة والشاملة والدائمة المستمرة هي من يكافح الارهاب او يقلل من خطره على الاقل ، وغير ذلك من معالجات وقتية لن تؤتي ثمارها على المدى الطويل وهو الاهم .