للجهل مراحله أيضًا!!
يتصوّر بعض الناس ان مفردات كالجهل والفقر والتخلف ليس لها قوانين نمو يفرضها التراكم، والحقيقة ان العرب فرقوا في لغتهم بين درجات هذه المفاهيم وفي مقدمتها الفقر، فهو قد يكون مدقعا، او معدما ويصل حد الجوع ثم الهلاك، وكذلك الجهل فهو يمر بمراحل يكون فيها بريئا واعزل، ثم تنبت له انياب ويصبح مؤدلجا ومدججا واخيرا يصل حد القداسة، وهو ما يسميه كاتب فرنسي الجهل المقدس.
ان للظواهر السلبية في التاريخ قوانينها ايضا، فهي بمرور الوقت تصبح مُستعصية على العلاج، وما يسمى ثورة الجياع التي لا تأتي على الاخضر واليابس هو تراكم الجوع بحيث ينتهي الى ان يكون غير قابل للاحتمال، وهناك مرحلة في التاريخ العربي يطلق عليها المؤرخون اسم الشدّة المستنصرية، جاع الناس فيها حتى اكلوا بعضهم احياء وموتى وما يرويه ابن اياس في بدائع الزهور نعتذر عن ذكر مثال واحد منه لأن الذائقة لا تحتمله، وقد لا يصدق من يقرأه ان هناك نساء طبخن اطفالهن!
وككل الامراض سواء كانت نفسية او عضوية او اجتماعية فإن التشخيص المبكر والعلاج قبل تفاقم الداء يؤدي الى نتائج ايجابية، لكن انكار الواقع وما يعج به من كوارث يتيح الفرصة للامراض كلها ان تتضاعف ويصبح التدارك غير ممكن، لأن الاوان قد فات.
نحتاج الى من يخرجون من التعتيم والتعويم الى التشخيص الدقيق، فالتخلف درجات وكذلك الجوع والطغيان والمرض، فالجهل حين كان ذات يوم بريئا واعزل، ويشعر المبتلى به بالخجل اذا ادرك الحقيقة اصبح الان مدججا بكل انواع السلاح واستبدل الخجل بالزهو والمكابرة، وقد بدأت هذه الظاهرة مع بطالة المتعلمين وخريجي الجامعات الذين يعيرهم اصحاب المهن بمحدودية الدخل، وهناك فيلم عربي بعنوان انتبهوا ايها السادة يسطو فيه زبال على كل نصيب الاستاذ الجامعي!
الدستور - 10/7/2018