عن «المثقف» و«السياسي» في البيان الوزاري

تم نشره الثلاثاء 10 تمّوز / يوليو 2018 12:36 صباحاً
عن «المثقف» و«السياسي» في البيان الوزاري
عريب الرنتاوي

أجاد الرزاز/المثقف، في توصيف المرحلة الراهنة في تاريخ الأردن، فهي مرحلة تاريخية، وصفت تارة بـ»الفارقة» وتارة ثانية بـ»المهمة» وثالثة بـ»المهمة بكل المعاني»، وهي مرحلة «استثنائية»، وقد ورد هذا التعبير أربع مرات في البيان الوزاري، وهي ثمرة «مخاض عسير» لا تقوى على حمله «أكبر الدول وأقواها»... إلى غير ما هنالك من توصيفات، بدأ بها بيان الحكومة الوزاري، ولا اعتراض لديّ على التوصيف والتشخيص.
كما أن «الرزاز / المثقف» قد برع في رسم خط النهاية للعمليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يطمح لإطلاقها من موقعه على رأس الحكومة ... فهو ذكرنا بـ»مئوية الدولة» التي تطل برأسها، وتحدث عن «الدولة الناضجة، ثابتة الأركان.. واضحة الأهداف والنهج» ... وهو اشتق تعبير «النموذج الديمقراطي الأردني»، وهو أتي خمس مرات على ذكر مشروع «النهضة» بوصفها الغاية المنشودة، ومرّ على «العقد الاجتماعي» أربع مرات، بوصفه الوسيلة لبلوغ هذه الغاية (لست واثقاً من حكاية العقد / الوسيلة، لكن هذا مبحث آخر).
وهو أعطى «المواطن» واشتقاقاته من نوع «المواطنة والمواطنين» موقعاً محورياً بوصفه دافع الضرائب وصاحب المال العام، وأحسب أن هذه المفردة بتنويعاتها، قد سجلت رقماً قياسياً في البيان الوزاري إذ جرى تكرارها 32 مرة على الأقل... أما منظومة القيم والمبادئ الناظمة لمشروع النهضة، فقد جاءت على الترتيب: العدالة (11 مرة)، الحرية (7 مرات)، سيادة القانون (4 مرات) المساواة (3 مرات) الديمقراطية (3 مرات)، فضلاَ عن التسامح والوسطية واحترام الرأي والرأي الآخر، من دون أن يغفل الاقتباس المهم من أقوال الملك المؤسس في بداية البيان، ومن ابن خلدون في خاتمته.
لكن الرزاز/ السياسي لم يصب النجاح ذاته، وهو يرسم لنا خريطة الطريق للانتقال من حالنا الاستثنائي / التاريخي الراهن، إلى آفاق الغد المشرق والجميل... فقد بدا البيان محمّلا بالنوايا والرغبات الطيبة، التي لا أشكك بتوفرها عند الرئيس ونفر غير قليل من وزراء حكومته ... لكن البيان، كما التشكيل الوزاري، جاء محمّلاً أيضاً، بما عجت به بيانات وزارية سابقة، لحكومات تعاقبت على الدوار الرابع، ولم يكن لها من أدوار سوى التخلي عن ولايتها العامة، بشهادة الملك في حديثه أمام كتاب وإعلاميين، وتعميق الأزمة الاقتصادية والاستعصاء السياسي، بدلالة ما حدث على الدوار الرابع وغيرها من مواقع الاعتصام وبؤر التظاهر في «هبّة رمضان» المجيدة الفائتة.
البعض يرد ذلك إلى «ضعف في خبرات الرئيس»، وهذا ما لا أتفق معه، فالرجل ومنذ سنوات عديدة، يتنقل في مواقع المسؤولية في الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات النفع العام ... والبعض الآخر، ردّ المسألة إلى مداخلات وتعقيدات، برزت عند التأليف وعند إعداد البيان، من شأنها خفض سقوف التوقعات، وتقليص الرهانات، واستتباعاً، تبديد الزخم السياسي والشعبي الذي جاء بـ»التكليف» وأحاط به وأعقبه.
نحن لا نعرف ما المقصود بالنهضة الشاملة، والبيان لم يتوقف عند هذه النقطة، رغم محوريتها في كتابي التكليف والرد والبيان، وما هي كيفية ومعايير الوصول لهذه المرحلة، ولا نعرف ما الذي قصده الرئيس بحديثه عن «ترسيخ العقد الاجتماعي الجديد»، فهل هناك عقد اجتماعي يجب العمل على ترسيخه، هل هو جديد، وكيف نرسخه إن كان كذلك؟ ... هل هو دستور المملكة النافذ، حيث يصبح القول بتفعيل الدستور أدق من ترسيخ العقد الاجتماعي الجديد، وهل يليق بنا القول بتفعيل الدستور، أليس الأصل في الأشياء أن يكون مفعلاً؟ ... وهل الدستور بحاجة لتعديلات، لكي يصبح هو مصدر العقد الجديد وإطاره، بل وأن يكون هو بالذات، هذا العقد الاجتماعي من ألفه إلى ليائه وإن كان كذلك، فما هي هذه التعديلات المطلوبة، وهل ستدفعنا لملكية دستورية وحكومات برلمانية وديمقراطية قائمة على التعددية الحزبية كما ورد في الأوراق النقاشية، أم ماذا؟
هل النهضة ممكنة من دون توافق وطني على قواعد اللعبة السياسية في البلاد، ومن دون إجماع ملزم، حول منظومة «فوق دستورية» للحقوق والواجبات، وهل النهضة ممكنة من دون حكومات برلمانية، وهل هذه ممكنة من دون قوانين انتخاب وأحزاب وبلديات ولامركزية جديدة، وقائمة على مبدأ التعددية الحزبية أساساً، البيان الوزاري لم يجب على هذه الأسئلة، وترك المهمة معوّمة لزمن لاحق. 
ثمة في البيان الوزاري العديد من التفاصيل والمهام، وحتى المنهجيات المعتمدة في صياغة بيانات من هذا النوع، مما يستحق التثمين والتأييد، لكنها ليست من نوع «المعالجات الاستثنائية» للمرحلة الاستثنائية، ولا ترقى لأن تكون في الوقت ذاته، معالم على طريق النهضة والاستنهاض ...ثمة مقطع غير مكتمل البناء في الجسر الافتراضي الواصل ما بين راهنٍ فارق واستثنائي وتاريخي، ومستقبل يليق بمئوية الدولة الناضجة، العادلة، المدنية والديمقراطية، دولة جميع أبنائها وبناتها، دولة سيادة القانون الواحد، دولة العدالة والمساواة الراشدة، دولة التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، الدولة المجسدة للنموذج الديمقراطي الأردني، مع أنني لست ميالاً للقبول بفكرة النموذج في الأساس... وللنقاش صلة.

الدستور - الثلاثاء 10/7/2018



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات