نقاط وحروف
ما يزال مصطلح العقد الاجتماعي يحتل المساحة الكبرى من النقاشات السياسية المحلية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وهو نقاش يمكن تقسيمه إلى قسمين؛ الأول الإيجابي -برأيي- الذي يذهب نحو النقاش في الأسئلة المشروعة والحقيقية والهواجس الموضوعية، والثاني الذي يأخذ الجانب المؤامراتي أو المتضخم في الهواجس والمخاوف والأسئلة غير المنطقية.
دعونا من القسم الثاني (أي السلبي- لأنّ النقاش فيه لن يؤدي إلى نتيجة)، ماذا عن القسم الأول؟ فيما يتعلّق بالدستور والعقد، هل العقد بديل للدستور؟ وهل يقتضي فتح الدستور؟ الجواب: ليس بالضرورة، الدستور نظرياً، عموماً، يمكن أن يشكّل رافعة للإصلاحات الوطنية المطلوبة. لكن المشكلة هي في الوضع الحالي المبني على سياسات متراكمة ومترسّبة وقناعات سياسية واقتصادية ونخب سياسية وصلت إلى طريق مسدود.
إذاً دعوى العقد الاجتماعي الجديد ليست مرتبطة بتغيير دستوري، بل بإعادة هيكلة السياسات العامة وتجديد علاقة المواطن مع الدولة، بمراجعة السياسات والآليات التقليدية واستدخال المتغيرات الكبيرة الجديدة، اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، وهي مسألة لا علاقة مباشرة بينها وبين الدستور، بل مرتبطة بسياسات الدولة العملية.
السؤال المهم: كيف يصاغ العقد الاجتماعي؟ ومن يصيغه؟ وهل يحتاج إلى لجنة حوار ومسودّة؟.. أظن أنّ الحديث عن العقد الاجتماعي الجديد بهذا الاتجاه ذهب بعيداً عن المقصود والأهداف الحقيقية من طرح هذا المصطلح، فالمسألة ليست وثيقة جديدة ولا لجنة تضاف مخرجاتها إلى ما سبق، وليس مطلوباً ذلك، بل المطلوب هو مراجعات عملية للسياسات العامة وتطويرها وتغييرها وبناء نظرية جديدة للدولة وصورتها عن نفسها وعلاقتها بالمواطن، من خلال الخطاب السياسي الجديد والسياسات الجديدة، والحوار مع القوى المختلفة.
لذلك، وذلك هو الأهمّ، العقد الاجتماعي الجديد هو مفهوم رمزي وتصوّري، ليس وثيقة ولا لجنة ولا شيء من ذلك، إنّما يعني تغييرات نوعية وحقيقية في السياسات العامة، بما يطوّر علاقة الدولة بالمواطن والمجتمع ويصلح من الاختلالات والاختراقات التي حدثت في المرحلة الماضية.
ماذا، إذاً، يعني العقد الاجتماعي الجديد، بصورة عملية؟ هو نظرية جديدة للدولة لمفهومها لدى المواطن؟ وعلاقتها به؟ ومفهوم الموظف عن دوره وعلاقته بالمواطن؟ وفي الإصلاح الإداري ومواجهة الفساد الإداري، وتطوير البيروقراطية وتحسين الخدمات اليومية للمواطنين ونقلها نقلة نوعية، هو التشغيل بدلاً من التوظيف والتخطيط السليم لإحياء القطاع الخاص بالمحافظات المختلفة، هو تطوير التربية والتعليم وإحداث قفزة بالتعليم المهني، وتدريب جيل الشباب وتمكينهم من العمل، هو الحكومة التي تمتلك الدسم السياسي وتشتبك مع الشأن العام، ومجلس نواب قوي يقوم بمهماته الدستورية، هو إعلام مسؤول حرّ ومهني، هو احترام الحريات العامة وصون حقوق الإنسان، هو تدوير النخب السياسية وتطوير الأداء السياسي واستدخال جيل الشباب في العمل العام، هو النظر إلى المستقبل لا إلى الماضي، والأهم من كل ذلك هو إعادة شحذ وتجديد وصيانة قيم الدولة الوطنية عبر تعزيز مفاهيم المواطنة وسيادة القانون والشفافية والعدالة القانونية والاجتماعية.
هل ستستطيع حكومة الرزاز القيام بذلك كلّه؟ بالتأكيد لا، وليس الأمر مرتبطاً بالرزاز وحكومته، بل بنا كمجتمع ونخب سياسية ومثقفين وأحزاب ومجتمع مدني.
الجدل حول العنوان "أي العقد الاجتماعي الجديد" في جزء منه موضوعي، يمكن فهمه، وفي جزء غير بريء ولا موضوعي والهدف هو إحباط الطموح الإصلاحي، منذ البداية، كما ذكرنا في مقالة أمس.
الغد - الاثنين 16/7/2018