تحية للتلفزيون الأردني
ينطلق مساء اليوم بث قناة "المملكة"؛ أول محطة تلفزيونية إخبارية أردنية أنشئت وتدار على أساس مفهوم الخدمة الإعلامية العامة، وفي الحقيقة تعود فكرة إنشاء هذه القناة لإدراك متزايد لحجم الفراغ الكبير في الخدمة الإخبارية التلفزيونية في الأردن في ضوء التحولات الكبيرة التي شهدتها صناعة الأخبار التلفزيونية الى جانب التحولات السياسية والاستراتيجية التي شهدتها المنطقة، ما جعل وجود هذه الخدمة ضرورة وحاجة وطنية، وبهذه المناسبة وفي أجواء انطلاق "المملكة" وهي تضع نفسها الى جانب الشقيق الكبير، لا يوجد أكثر من التلفزيون الأردني يستحق التحية والتقدير.
خمسة عقود مرت من عمر هذه المؤسسة العريقة، استطاع التلفزيون الأردني أن يسهم بشكل جدي وفاعل في التنمية الوطنية وأن يكون الى جانب الإذاعة الأردنية صوت الأردن للعالم، وأداة محفزة للتغير الاجتماعي والثقافي الإيجابي، لعبت الإذاعة والتلفزيون في الأردن أدواراً يُشاد بها في التحفيز على تحقيق أهداف التنمية والمساهمة في توفير بيئة حاضنة لتحديث المجتمع الأردني من خلال نشر الوعي وبناء الاتجاهات الصديقة للتنمية والحداثة والتأثير على السلوك وعلى نوعية حياة الأردنيين.
لقد أتيح لي فرصة الاطلاع على تقارير ووثائق تعود لبعض المؤسسات الدولية والمحلية التي تعاملت مع مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في عقدي الثمانينيات والتسعينيات في مجالات الإعلام والتنمية، والتي تبرز كم كان لهذه المؤسسة من أدوار قيادية بارزة، وما يفيد أن تاريخ التلفزيون الأردني لا يقتصر على الأدوار التقليدية التي طالما يتم ترديدها في إنتاج الدراما البدوية أو في تصدير كفاءات أردنية الى الخارج، فالمسألة أكبر من ذلك بكثير. فقد كان التلفزيون قادرا على تنفيذ أكثر من 40 أمر عمل خارجيا في الأسبوع الواحد؛ حيث وصل الى القرى والبوادي البعيدة كافة واستطاع أن يوثق بالصورة والحياة كيف يصاغ التغيير على الأرض.
في العام 1980، كان غلاف النشرة الدولية لصندوق السكان العالمي يتحدث عن النجاح الفريد الذي حققه التعداد السكاني في الأردن الذي نفذ في نهاية العام 1979، كيف تمت تهيئة المجتمع الأردني وكيف تعرف ربات البيوت في المدن والقرى ماذا يعني التعداد وماذا تعني التنمية كان الفضل يعود للتلفزيون والإذاعة، الى جائب مئات قصص النجاح الوطنية في ميادين مختلفة لطالما كان السر فيها نساء ورجال التلفزيون.
صحيح أن عالم البث التلفزيوني شهد تغيرا هائلا، وتعدد الفاعلون وازدادت المنافسة غير العادلة في هذه الصناعة الناعمة، ما جعل التلفزيون الأردني يفقد الكثير من مكانته، ولطالما تعرض لحملات بعضها ظالم خلال السنوات الأخيرة، ولكن كل ذلك لا يفقد هذه المؤسسة مكانتها ودورها، إن أرشيفها وحده يعد أكبر مركز للوثائق وشاهدا على مسيرة المجتمع والدولة في الأردن، وما تزال هذه الشاشة تملك من الحيوية كي تقول الكثير وتقنع الناس بالكثير.
لا يقدم تلفزيون "المملكة" اليوم نفسه بديلا عن التلفزيون الأردني بل مكمل له، ويبني على الإنجازات التي حققها، وهذه رسالة الخدمة العامة.
الغد - الاثنين 16/7/2018