«زواج المتعة» إن تعذّرت المصالحة
لا مخرج لأزمات غزة المتراكبة والمتراكمة، سوى بالمصالحة الوطنية... أمس وقف القطاع المحاصر على عتبة حرب شاملة جديدة، رغم أن أحداً لا يريدها ولا يسعى في استعجالها ... أزمة الحصار والعقوبات، تزداد تفاقماً سيما بعد إغلاق معبر كفر أبو سالم... أما المبادرات «الإنسانية» التي تكاثرت على نحو مفاجئ في الآونة الأخيرة، وبصورة مثيرة للريبة والشك، فلا تترك لحماس وسلطة الأمر الواقع في القطاع سوى واحد من خيارين، لا ثالث لهما: إما الانخراط في هذه المبادرات، شريطة التساوق والاتساق مع الثمن السياسي الباهظ المترتب عليها، وإما التخلي عن قدر «سيادة الأمر الواقع» لصالح آليات رقابة وتحقق إقليمية ودولية، ستنتهي آجلاً أو عاجلاً إلى تبديد سلطة حماس من جهة، وتمرير أسوأ ما في «كوابيس» الفلسطينيين من مشاريع حلول لقضيتهم الوطنية من جهة ثانية، فتكون كالمنبتّ، لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.
حماس لم تصل إلى هذه النتيجة بعد، وكذا حركة فتح التي تواجه خيار «العزل» و»التهميش» بفعل مفاعيل «صفقة القرن» وتداعياتها...الأولى، ما زالت تراهن على تحويل المدخل «الإنساني» إلى «طاقة فرج» تنجيها من أزمتها في القطاع ومن أزمات القطاع في ظل حكمها ... والثانية، ما زالت تعوّل على توظيف المدخل «الإنساني» للعودة المظفرة إلى القطاع، بعد أن أُخرجت منه قبل أحد عشر عاماً ... مع أن المراقب عن كثب لما يعتمل في أوساط الحركتين معاً، يخلص إلى نتيجة مفادها أنهما بدأتا تدركان أن «اللعبة» قد تخرج عن السيطرة، وأن كل منهما قد يفقد سيطرته على التطورات المتسارعة، وتضعف استتباعاً، قدرته على توظيف «الكارثة الإنسانية» لتحقيق مصالح فئوية في المطاف الأول والأخير.
لن يطرأ «اختراق» على ملف المصالحة، ما لم يجد الطرفان نفسيهما أمام استنتاج واحد مفاده: أن لعبة «رابح – خاسر» التي حكمت العلاقة بينهما طوال عقود ثلاثة مضت، ستنتهي إلى لعبة «خاسر – خاسر»، وأن سياسة «الرقص على حافة الهاوية» باتت خطرة جداً على من يقوم بها أساساً، وأن «الخاسر» دوماً من هذه السياسات، هو قضية فلسطين وشعبها وحقوقه الوطنية المشروعة، وأحسب أننا نقترب من لحظة الحقيقة والاستحقاق على هذا الطريق، بعد أن بدأت تتكشف ملامح «صفقة القرن» وما يُحاك من خطط للسلام الاقتصادي، وما ينسج من مشاريع حلول سياسية مغلفة بلبوس إنساني، مع أن هناك كثير من الشك في أن تكون الظروف الكارثية المحيطة بالقضية الفلسطينية، كفيلة بدفع الفريقين إلى استنتاجات وطنية كهذه.
لقد فشلت الأطراف الفلسطينية الأخرى، على تعددها، مثلما فشل الحراك الشعبي في خلق قوة الضغط الكافية على الفريقين للوصول إلى صفقة مصالحة تجمعها بعد طول انفصال ... كما فشلت جهود الوساطة التي بذلتها أطراف عربية وإقليمية ودولية، في رأب الصدع العميق بينهما ... وأثبت الجانبان بقدر من الفجاجة، بأن أي منهما لا يستحق لقب «أم الولد» ... فلا حماس بوارد التخلي عن «إمارة الأمر الواقع في غزة» رغم كل المزاعم والادعاءات الزائفة والمضللة، ولا فتح بوارد صفحة شراكة حقيقية مع حماس وغيرها من الفصائل، وهي التي قادت الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، بكثير من التفرد والهيمنة والاستئثار.
ولا أظن أن طريق المصالحة بين الجانبين، سيكون سالكاً ومشتملاً على مختلف ملفات الخلاف والاختلاف ... ففجوة انعدام الثقة كفيلة بتفخيخ هذا الطريق بكثير من العبوات الناسفة .... وأرجح أن يسير إيقاع المصالحة على وقع المصالح الآنية و»العملانية» بينهما، وان يتوصلا بعد لأي، إلى ترتيبات انتقالية تقوم على التعايش مع الانقسام، بدل تجفيف أسبابه ومنابعه، والإجهاز على كافة مظاهره وادواته ومؤسساته.
والأقرب للتصديق والتوقع، أن المصالحة في حال نجاح الجهود المصرية النشطة لإتمامها، لن تزيد عن كونها ضرباً من «زواج المتعة» أو فصلاً جديداً من فصول «التهدئة»، قد يطول أو يقصر، ارتباطاً بالظرف الإقليمي والدولي المحيط بالقضية الفلسطينية، وستظل عرضة للتفجير والانفجار، كلما لاحت في الأفق، إرهاصات تطور إقليمي أو دولي، يشجع هذا الفريق أو ذاك، على الانقضاض على المصالحة، والعودة إلى «المربع الأول»، فما زالت اللعبة المفضلة للفريقين هي «اللعبة الصفرية»، ونزعة الإلغاء والإقصاء، تبدو ضاربة في عمق وعيهما و»لا وعيهما» كذلك، وسيظل الحال على هذا المنوال، إلى أن يتمكن الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية والمدنية، من النجاح في بلورة «قطب ثالث»، يفرض حضوره بقوة في المعادلة الوطنية الفلسطينية، ويمتلك القدرة على ترجيح إحدى كفتي الميزان.
الدستور - الاثنين 16/7/2018