الطعنة في سويداء القلب

تم نشره الجمعة 27 تمّوز / يوليو 2018 12:42 صباحاً
الطعنة في سويداء القلب
جميل النمري

أبت فلول داعش أن تغادر مع زمنها الأغبر إلا بواحدة من أبشع المجازر وبطبعة طائفية استهدفت المناطق الدرزية في السويداء وقراها، وهي المنطقة التي بقيت أكثر حيادية وهدوءا على مدار سنوات الحرب. ثمة بعض من شاركوا في الجيش الحر أو التحقوا بقوات النظام، لكن الأغلبية لم تنخرط مع أي جهة وتشكلت ميليشيات مثل قوات شيخ الكرامة لا تحسب نفسها على المعارضة أو الموالاة وتعنى بحماية مناطقهم فقط.
نكتب بكل مشاعر الحزن والغضب على هذه الهجمة القذرة والغادرة، والعقيمة من حيث وظيفتها؛ إذ تأتي بينما داعش في حالة انحسار وانسحاب، تتم بتفاهمات أو بدون تفاهمات من مناطق مختلفة على التوالي. وثمة اعتقاد أن المهاجمين الذين قدروا بالمئات هم من بقايا داعش الذين انتقلوا بباصات من مخيم اليرموك وجنوب دمشق باتفاق (نفاه النظام) للانتقال الى البادية الجنوبية الشرقية كما حصل في مناطق أخرى، وهذا فتح الباب لتكهنات حول موقف النظام؛ إذ تمكن المهاجمون، بدون إعاقة، من فتح جبهة هجوم بعرض 20 كيلومترا ومع أربعة تفجيرات انتحارية في مراكز رئيسية في المدينة، وتمت مهاجمة قرى عدة وفتح الرصاص على المواطنين العزل، فزاد عدد الضحايا على 250 شخصا إضافة لمئات الجرحى.
قد تكون ضربة مقفي وعملية انتقامية طائفية قذرة تروي عطش الدواعش للقتل والرعب الأسود والدم الذي لم يعودوا قادرين على سفك الكثير منه، فلاحت الفرصة ومقاتلوهم على مشارف منطقة غير مقاتلة ومكشوفة عسكريا وبهوية طائفية معينة لترك بصمة وذكرى مؤلمة تعمق الجروح الغائرة في النسيج الوطني السوري الذي تم تمزيقه شر ممزق.
الدروز لم يكونوا أبدا أقلية منغلقة تعمل بحسابات طائفية ضيقة شاركوا في الثورة العربية الكبرى ودخلت قواتهم مع جيش الثورة الى دمشق ورفعوا فوقها أول علم عربي بعد قرون من الهيمنة العثمانية وعرضوا استضافة الملك فيصل الأول في جبل الدروز للاستمرار في مقاومة الاحتلال الفرنسي. ولم يقنعوا بمنحهم دولة السويداء أو "دولة جبل الدروز" من الفرنسيين الذين قسموا سورية الى دويلات طائفية. بل أطلقوا المقاومة المسلحة للاحتلال وفجروا الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش، ووالد هذا الزعيم الوطني والعروبي الفذ هو أيضا ثائر ضد الأتراك وأعدم من قبلهم مع آخرين من زعماء الجبل الى جانب أحرار العرب في وجبة أولى العام 1911؛ أي قبل سنوات من وجبة الإعدامات التي فجرت الثورة العربية الكبرى العام 1916.
ورغم ولائهم الوطني والقومي وتاريخهم المشرف، وجد الدروز أنفسهم في وضع محرج خلال سنوات الصراع، فهم مثل باقي الفئات والطوائف تتخللهم مختلف وجهات النظر واتجاهات الموالاة والمعارضة، في البداية كانت تتقوى معارضة النظام ثم مع تزايد الطابع الديني المتطرف للثورة بمعظم فصائلها تغيرت الحسابات في تقدير المصلحة الإجمالية للطائفة التي أصبحت تحت ضغوط متناقضة وشارك بعض أبناء المنطقة مع قوات النظام، فيما شارك آخرون مع المعارضة مع محاولات الحفاظ على الحياد للمنطقة، وهو أمر لم ينظر له النظام بعين الرضا عارفا بوضع الدروز كأقلية تعاني من المخاوف الطائفية نفسها من الأغلبية، وعلى الإجمال نجحت قيادات المنطقة بالعبور بأهلها خلال محطات الصراع بأقل قدر من التورط والخسائر مقارنة مع مناطق أخرى حتى أول من أمس حين أبى الدواعش ترك السويداء وشأنها فنفذوا واحدة من أكبر وأقذر جرائمهم.

الجمعة - الجمعة 27/7/2018



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات