إسرائيل «تدستر» صفقة القرن
لا شيء جوهرياً في قانون «يهودية الدولة» الذي أقره الكنيست الإسرائيلي مؤخراً، لم تستبطنه «صفقة القرن»، وفقاً لما توفر حولها، وتسرب عنها، من معلومات ... القانون الذي «دستر» ممارسات إسرائيل وسياساتها العنصرية الجارية على الأرض، من جانب واحد، وعلى قدم وساق، لم يزد عن كونه «دسترة» لصفقة ترامب، بالقراءة الإسرائيلية «الأحادية» لمبادرة الرئيس الأمريكي.
ترامب وفريقه الخاص بالشرق الأوسط (هيلي، كوشنير، جرينبلات وفريدمان)، لم يتركا مناسبة من دون التأكيد على «يهودية» و»الوطن القومي لليهود» في فلسطين، وهم جميعاً، أعادوا إحياء «وعد بلفور المشؤوم»، بأشكال وصيغ شتى، ولكن بلغة أكثر تطرفاً مما ذهب إليه «وعد من لا يملك، لمن لا يستحق».
والإدارة الأمريكية، انفردت وحدها، دون سواها من دول العالم، بالاعتراف بالقدس «عاصمة أبدية – موحدة» للدولة العبرية، وفي السادس من ديسمبر 2017، قرر ترامب نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، في تحدً واستفزاز للمشاعر الفلسطينية والعربية والإسلامية والمسيحية، وفي خطوة تصدر عمّن «لا يملك لمن يستحق»، وفي مجازفة لم تبق أملاً في حل سياسي تفاوضي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
أما «الأقنوم» الثالث في البرنامج الوطني الفلسطيني، برنامج الحد الأدنى، وأعني به عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي شُرّدوا منها عنوة، فقد دشن ترامب وفريقه، حرباً على قضية اللاجئين وحقوقهم والقرارات والمؤسسات التي تؤكد هذا الحق وترمز له ... وما المأزق الذي تعانيه «الأونروا» اليوم، ويعتصر بنتائجه مئات ألوف اللاجئين، تحديداً في غزة، إلا واحداً من فصول هذه الحرب ...
وحين تقترح مبادرة ترامب بناء «دولة» فلسطينية فوق «بقايا الضفة الغربية» وعلى أنقاضها، بعد أن قطّع الاستيطان أوصالها، وحين تشدد المبادرة على سيادة إسرائيل «الأمنية» على الأرض والسماء والمعابر والحدود، فإن قانون «يهودية الدولة» لا يأتي بجديد...حين يُحصر «حق تقرير المصير» في فلسطين التاريخية، بـ»الشعب اليهودي»، وحده، دون سواه ... مطيحاً بـ»أقنوم» آخر من أقانيم البرنامج الوطني الفلسطيني: تقرير المصير والدولة المستقلة، من حقنا التساؤل عن الصلة المشبوهة بين «وجهي العملة الواحدة»: «صفقة القرن» و»يهودية الدولة القومية».
أما الاستيطان، الذي أضفى القانون العنصري عليه، لبوس القيادة، ورفعه إلى مستوى «القيمة الأخلاقية العليا»، فإن ترامب وفريقه، لم ينبسا ببنت شفة اعتراضاَ على الهجوم الاستيطاني/الاستعمار الزاحف على أراضي الفلسطينيين وحقوقهم الوطنية المشروعة، بل صدر عنهم كل ما يدعم الإجراءات الإسرائيلية الاستعمارية، أحادية الجانب، فيما المعلومات تؤكد أن البحث بين إسرائيل والولايات المتحدة، إنما يتركز حول «النسب المئوية» من مساحة الضفة الغربية، التي يتعين اقتطاعها، وضمها مسبقاً للسيادة الإسرائيلية، فيما يتركز الجدل الداخلي في الائتلاف الحاكم، حول هذا العنوان، وسط خلاف حول ضم كل الضفة، نصفها، أو أجزاء واسعة منها ... ووسط إجماع بأن طريق الاستيطان ذي اتجاه واحد، وأن المستوطنات والبؤر الاستيطانية، «باقية وتتمدد».
بقية تفاصيل قانون «يهودية» تأتي من باب تحصيل الحاصل، فمن يقصر «تقرير المصير» على اليهود في فلسطين، من الطبيعي أن يستهدف لغة أهلها وسكانها الأصليين: اللغة العربية، وأن يشرع قبل القانون، وبالأخص بعده، في «تهويد» و»أسرلة» أسماء مدنها وقراها وبلداتها، وأن يشرع في شطب أي «أثر» دالٍ على هوية الشعب الذي قطنها واستملكها على نحو متواصل، ولمئات عديدة من السنين.
ليست إسرائيل وحدها، حاضنة العنصرية، بل إن اليمين «الشعبوي»، الذي أوصل ترامب وإدارته إلى البيت الأبيض في واشنطن، يحمل في داخله «بذور العنصرية الكريهة» كذلك، ولولا صعود هذا اليمين في الولايات المتحدة وبعض عواصم الغرب، لما تشجع اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل على الإقدام على خطوة كهذه، و لما عمد إلى «دسترة» و»قوننة» سياساته وإجراءاته التي تفوح منها روائح الشطب والإلغاء لشعب بأكمله.
وأحسب أن ما ظهر من «صفقة القرن» و»قانون يهودية الدولة» ليس سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد ... أحسب أن إسرائيل ستأخذ سياساتها وإجراءاتها، إلى مستوى متقدم، والسنوات القادمة، تخبئ للفلسطينيين، ومن بعدهم للأردن والأردنيين، ما ليس في الحسبان.
الدستور - الاثنين 27/7/2018