«القطبة المخفية» في مشروع «الناتو العربي»

تم نشره الأحد 29 تمّوز / يوليو 2018 12:42 صباحاً
«القطبة المخفية» في مشروع «الناتو العربي»
عريب الرنتاوي

تستكمل واشنطن ما كانت بدأته في الرياض قبل عام تقريباً، عندما أعلنت بوجود عدد من قادة الدول العربية، المصنفة «معتدلة»، خطتها لإقامة «تحالف شرق أوسطي استراتيجي» ... اليوم، تتواتر الأنباء عن جهود حثيثة، ولكن في الخفاء، وبأقل قدر من الضجيج، لتطوير هذا التحالف إلى «ناتو عربي».
في القلب من استهدافات هذا التحالف، تقف إيران كـ»عدو وحيد» لعرب الاعتدال والولايات المتحدة، ومعهم وإلى جانبهم ومن خلفهم وأمامهم، إسرائيل بالطبع... وفي الأنباء أن الحلف سيعمل على نشر «درع صاروخية» في المنطقة، وتقديم خدمات لوجستية وتدريبية وتسليحية لجيوشها، فضلاً عن تعاون مكثف في الحرب على الإرهاب، والمقصود بالطبع، إرهاب إيران «الشيعي»، فإرهاب داعش والنصرة «السني»، يجري التعامل معه من خلال تحالفٍ دولي ضد الإرهاب بقيادة واشنطن.
وثمة ما يشي بأن محاولة إنشاء «الناتو العربي» تبدو أكثر جدية هذه المرة، فثمة خمس أو ست دول عربية، «معتدلة أيضاً»، أبدت، أو هي في طريقها لإبداء الاستعداد، للانخراط النشط في هذا الحلف، وبعضها كان مبادراً لطرح الفكرة وإظهار الالتزام والجاهزية لتغطية كلفها، بل ويمكن القول إن «الدفعة الأولى» من هذه الكلف، قد تم «قبضها» من قبل الرئيس ترامب مقدماً، وبقية الدفعات، تنتظر تواريخ استحقاقاتها.
لم يأت أحدٌ على ذكر موقع إسرائيل ومكانتها في «الناتو العربي»، مع أنها «القطبة المخفية» في كل هذا الحراك المحيط بإنشاء هذا الحلف، ورسم استراتيجياته وخططه، كما أن أحداً لم يأت على سؤال: كيف سيتعامل عرب الاعتدال مع فكرة التحالف مع إسرائيل ضد إيران، حتى من دون إبدائها لأي استعداد من أي نوع، لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه في العودة وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.
إن إعطاء هذا التحالف اسم «كودياً» من نوع «الناتو العربي»، لا يضفي العروبة على هذا التحالف، ولا يبدد طابعه الشرق الأوسطي الذي التصق به منذ اليوم الأول للكشف عنه في قمة الرياض بين ترامب وعدد من القادة العرب، وهو اسم اختير بعناية، فلا هو عربي ولا هو إسلامي، بل شرق أوسطي، لحجز مقعد لإسرائيل في صفوفه الأمامية، والمؤكد أن هذا المقعد لن يكون بعيداً عن «مقعد القيادة».
نتساءل عن «السر» وراء تهافت العرب على الانخراط في أحلاف إقليمية ودولية، عندما يكون «العدو» أي طرف آخر، غير إسرائيل، ولماذا أخفقوا طوال أكثر من ست عشريات من السنين، في تفعيل «معاهدة الدفاع العربي المشترك»، فهم اليوم أعضاء مؤسسون في أحلاف دولية وإسلامية ضد الإرهاب وضد الحوثي في اليمن، وغداً ضد إيران، وقبل أربعين عاماً ضد «الخطر الشيوعي» في أفغانستان ... هم مبادرون بنشاط، ومستجيبون بسرعة لأي نداء للتحالف طالما أن العدو ليس إسرائيل، ولطالما كانت خطواتهم «ثقيلة» جداً تاريخياً، عندما تعلق الأمر بإسرائيل، حتى أنهم اليوم، باتوا يرون في «عدوهم الوجودي والتاريخي» حليفاً موثوقاً، يمكن الرهان عليه لمواجهة «الخطر الشيعي» الذي حلّ محل «الخطر الشيوعي» على رأس قائمة التهديدات للأمن القومي العربي (؟!).
وعلى ما يبدو، فإن شيئاً لم يعد يردع هؤلاء، أو يدفعهم للتريث والتأني في الاستجابة لدعوة أكثر الإدارات عداءً للحقوق الفلسطينية والعربية، لا صفقة القرن بوصفها مشروعاً تصفوياً للقضية الفلسطينية، ولا «قانون القومية اليهودية» باعتباره «دسترة» للعنصرية والميز العنصري، ولا الانتهاكات المتكررة لحرمات الأقصى والمقدسات وعمليات التهويد والأسرلة الجارية على قدم وساق ... لا شيء من كل هذا وذاك وتلك، كفيل بتوجيه نداء «قف وفكر» لقادة عدد من هذه الدول، مع أن ما يفعله اليمين الشعوبي والعنصري في الولايات المتحدة وإسرائيل، يعد التهديد الأخطر للحقوق والمصالح الفلسطينية والعربية، منذ سايكس بيكو ووعد بلفور وقيام إسرائيل وإسقاط الضفة الغربية والقدس والمسجد الأقصى.
لقد نظر جيلنا إلى «حلف بغداد» بوصفه أكبر تهديد واستباحة للأمن القومي العربي، يومها كانت إيران/الشاه، مرشحة للعب دور محوري في ذاك الحلف ... اليوم، يشهد الجيل التالي من العرب، إرهاصات ولادة أخطر حلف على حقوقهم ومستقبل أجيالهم .... وخطورة هذا الحلف، لن تخفيها أو تقلل من شأنها، العبارات الإنشائية عن مقاومة الإرهاب ووقف الزحف الإيراني، كما أنها لن تنجح في إخفاء حقيقة أن الاحتلال والاستيطان والحصار والعنصرية، هي التهديد الأكبر للوجود الفلسطيني، وللمصالح العليا للأردن، وللأمن القومي العربي، سواء بسواء.

الدستور - الأحد 29/7/2018



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات