«القطبة المخفية» في مشروع «الناتو العربي»
تستكمل واشنطن ما كانت بدأته في الرياض قبل عام تقريباً، عندما أعلنت بوجود عدد من قادة الدول العربية، المصنفة «معتدلة»، خطتها لإقامة «تحالف شرق أوسطي استراتيجي» ... اليوم، تتواتر الأنباء عن جهود حثيثة، ولكن في الخفاء، وبأقل قدر من الضجيج، لتطوير هذا التحالف إلى «ناتو عربي».
في القلب من استهدافات هذا التحالف، تقف إيران كـ»عدو وحيد» لعرب الاعتدال والولايات المتحدة، ومعهم وإلى جانبهم ومن خلفهم وأمامهم، إسرائيل بالطبع... وفي الأنباء أن الحلف سيعمل على نشر «درع صاروخية» في المنطقة، وتقديم خدمات لوجستية وتدريبية وتسليحية لجيوشها، فضلاً عن تعاون مكثف في الحرب على الإرهاب، والمقصود بالطبع، إرهاب إيران «الشيعي»، فإرهاب داعش والنصرة «السني»، يجري التعامل معه من خلال تحالفٍ دولي ضد الإرهاب بقيادة واشنطن.
وثمة ما يشي بأن محاولة إنشاء «الناتو العربي» تبدو أكثر جدية هذه المرة، فثمة خمس أو ست دول عربية، «معتدلة أيضاً»، أبدت، أو هي في طريقها لإبداء الاستعداد، للانخراط النشط في هذا الحلف، وبعضها كان مبادراً لطرح الفكرة وإظهار الالتزام والجاهزية لتغطية كلفها، بل ويمكن القول إن «الدفعة الأولى» من هذه الكلف، قد تم «قبضها» من قبل الرئيس ترامب مقدماً، وبقية الدفعات، تنتظر تواريخ استحقاقاتها.
لم يأت أحدٌ على ذكر موقع إسرائيل ومكانتها في «الناتو العربي»، مع أنها «القطبة المخفية» في كل هذا الحراك المحيط بإنشاء هذا الحلف، ورسم استراتيجياته وخططه، كما أن أحداً لم يأت على سؤال: كيف سيتعامل عرب الاعتدال مع فكرة التحالف مع إسرائيل ضد إيران، حتى من دون إبدائها لأي استعداد من أي نوع، لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه في العودة وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.
إن إعطاء هذا التحالف اسم «كودياً» من نوع «الناتو العربي»، لا يضفي العروبة على هذا التحالف، ولا يبدد طابعه الشرق الأوسطي الذي التصق به منذ اليوم الأول للكشف عنه في قمة الرياض بين ترامب وعدد من القادة العرب، وهو اسم اختير بعناية، فلا هو عربي ولا هو إسلامي، بل شرق أوسطي، لحجز مقعد لإسرائيل في صفوفه الأمامية، والمؤكد أن هذا المقعد لن يكون بعيداً عن «مقعد القيادة».
نتساءل عن «السر» وراء تهافت العرب على الانخراط في أحلاف إقليمية ودولية، عندما يكون «العدو» أي طرف آخر، غير إسرائيل، ولماذا أخفقوا طوال أكثر من ست عشريات من السنين، في تفعيل «معاهدة الدفاع العربي المشترك»، فهم اليوم أعضاء مؤسسون في أحلاف دولية وإسلامية ضد الإرهاب وضد الحوثي في اليمن، وغداً ضد إيران، وقبل أربعين عاماً ضد «الخطر الشيوعي» في أفغانستان ... هم مبادرون بنشاط، ومستجيبون بسرعة لأي نداء للتحالف طالما أن العدو ليس إسرائيل، ولطالما كانت خطواتهم «ثقيلة» جداً تاريخياً، عندما تعلق الأمر بإسرائيل، حتى أنهم اليوم، باتوا يرون في «عدوهم الوجودي والتاريخي» حليفاً موثوقاً، يمكن الرهان عليه لمواجهة «الخطر الشيعي» الذي حلّ محل «الخطر الشيوعي» على رأس قائمة التهديدات للأمن القومي العربي (؟!).
وعلى ما يبدو، فإن شيئاً لم يعد يردع هؤلاء، أو يدفعهم للتريث والتأني في الاستجابة لدعوة أكثر الإدارات عداءً للحقوق الفلسطينية والعربية، لا صفقة القرن بوصفها مشروعاً تصفوياً للقضية الفلسطينية، ولا «قانون القومية اليهودية» باعتباره «دسترة» للعنصرية والميز العنصري، ولا الانتهاكات المتكررة لحرمات الأقصى والمقدسات وعمليات التهويد والأسرلة الجارية على قدم وساق ... لا شيء من كل هذا وذاك وتلك، كفيل بتوجيه نداء «قف وفكر» لقادة عدد من هذه الدول، مع أن ما يفعله اليمين الشعوبي والعنصري في الولايات المتحدة وإسرائيل، يعد التهديد الأخطر للحقوق والمصالح الفلسطينية والعربية، منذ سايكس بيكو ووعد بلفور وقيام إسرائيل وإسقاط الضفة الغربية والقدس والمسجد الأقصى.
لقد نظر جيلنا إلى «حلف بغداد» بوصفه أكبر تهديد واستباحة للأمن القومي العربي، يومها كانت إيران/الشاه، مرشحة للعب دور محوري في ذاك الحلف ... اليوم، يشهد الجيل التالي من العرب، إرهاصات ولادة أخطر حلف على حقوقهم ومستقبل أجيالهم .... وخطورة هذا الحلف، لن تخفيها أو تقلل من شأنها، العبارات الإنشائية عن مقاومة الإرهاب ووقف الزحف الإيراني، كما أنها لن تنجح في إخفاء حقيقة أن الاحتلال والاستيطان والحصار والعنصرية، هي التهديد الأكبر للوجود الفلسطيني، وللمصالح العليا للأردن، وللأمن القومي العربي، سواء بسواء.
الدستور - الأحد 29/7/2018