الحقائق السورية والسلوك الدولي الجديد
بسيطرة الجيش السوري على معبر نصيب على الجانب السوري من الحدود الأردنية-السورية وسيطرته على معبر القنيطرة على الحدود مع الجولان المحتل واستكمال انتشاره على مساحات واسعة من الحدود، يكون قد أنهى مهمة رمزية واستراتيجية تتمثل في الحسم الاستراتيجي على معظم مساحات الجنوب السوري، وتحديدا في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء، في الوقت الذي استقبلت دمشق مؤخرا وفدا يمثل قوات سورية الديمقراطية التي تسيطر عمليا على نحو 20 % من الأراضي السورية؛ حيث بات هذا التنظيم اليوم أكثر قناعة بالوصول الى تفاهمات واقعية مع دمشق بعد أن تخلى عن مطالبه بالفيدرالية وأصبح يتحدث عن صلاحيات في حكم لامركزي.
الحقائق السورية اليومية تقول إن الواقعية السياسية هي ما يشكل السلوك ليس لمكونات القوى السياسية والعسكرية التي تتحرك على الأرض السورية، بل وحتى في حركة القوى الإقليمية والدولية باستثناءات محدودة، وهذه الواقعية باتت تتشكل بعدما بات الجيش السوري يسيطر على أكثر من ثلثي البلاد، من المتوقع أن تعيد تموضع العديد من المواقف الدولية والإقليمية ولن نستغرب من إعادة تقدير للمواقف حتى من قبل حلفاء دمشق التقليديين في بعض المحكات الاستراتيجية.
فرضية نهاية الحرب في سورية تستند الى وقائع على الأرض؛ أبرزها عودة المبادرة والسيطرة وبقوة للجيش السوري ومن يقف الى جانبه من حلفاء وتراجع قوة ونفوذ قوات المعارضة المسلحة، وفي مقدمتها الجيش الحر الذي تراجع نفوذه بشكل كبير خلال هذا العام بفعل الضربات العسكرية المتتابعة ووقف برنامج التدريب العسكري الأميركي في عهد الجمهوريين سابقا والتخلي العملي من قبل الغرب عنه. كما فعلت الضربات المتتالية التي تلقتها الجماعات الإسلامية المتطرفة فعلها في كسر شوكة تنظيم الدولة "داعش" وجبهة فتح الشام وغيرهما من فصائل صغيرة أخرى حليفة لهما، وازداد الأمر تعقيدا بعد توقف مصادر الدعم الخارجي لقوات المعارضة المسلحة وأهمه الدعم الخليجي بعد أزمة العلاقات الخليجية الأخيرة، ولعل من أبرز مظاهر هذه التحولات بدء عودة عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين الى بلادهم.
في هذه الأثناء، تزداد السيناريوهات المتناقضة التي تطرح المزيد من الأفكار حول اليوم التالي في سورية، بينما ما يزال سيناريو تقسيم سورية الى مناطق نفوذ إقليمي ودولي واردا، ولكن ليس بالقوة التي كان يطرح بها في مثل هذا الوقت من العام الماضي، فيما تذهب سيناريوهات الى تفاهمات دولية أو ما يسمى اتفاق إطار دوليا سيسمح بوجود مناطق حكم ذاتي في إطار كيان فيدرالي برئاسة بشار الأسد، يمهد هذا الوضع لإجراء انتخابات ربما تعمل على إعادة تأهيل نخبة سياسية جديدة من نفس بيت النظام الحالي.. وعلينا أن ننتظر تحولات عديدة في الخطابات السياسية وفي المواقف الدولية والإقليمية منذ هذا الوقت الى شتاء هذا العام.
الحقيقة الأبرز، أن وحدة التراب السوري باقية، والدولة السورية بمفهومها الاجتماعي والتاريخي مستمرة، لكن لن تستقيم الأمور بخطوط مستقيمة فيما يتعلق بمعارك الشمال ومناطق النفوذ التركي بدون تحديات جديدة، وفي سياق قريب ليس من المستبعد أن يدخل الروس في تفاهمات جديدة تحد من النفوذ الإيراني في سورية مقابل حسابات في مناطق أخرى، وهذا بعض ما تلمح إليه تلميحات الرئيس الأميركي ودعوته لحوار إيراني أميركي جديد، فالإنجاز الذي تحقق في سورية بالنسبة للروس ثمين لهم ويستحق تضحيات على صعد أخرى، وتحديدا في أجواء التصعيد والتسخين الأميركي الراهن حيال إيران؛ المعركة الأهم التي لن تكون أقل أهمية هي العسكرية بكل ما قيل فيها؛ هي معركة الداخل أي إعادة بناء الإنسان والمجتمع السوري وتحديد خياراته الديمقراطية قبل أن تفرض عليه مرة أخرى من الخارج؛ بمعنى مدى استعداد النظام ونخبه للتغيير من الداخل بعد كل ما جرى.
الغد - السبت 4/8/2018