إنه "كوكب الغور الشمالي"!
أتمنّى من الرئيس والوزراء والمسؤولين أن يشاهدوا الصورة التي نشرتها الغد (أول من أمس في الصفحة العاشرة) المرفقة مع تقرير الزميلة علا عبد اللطيف بعنوان "الغور الشمالي: استمرار إلقاء النفايات بالقرب من قناة الملك عبدالله يهدد تلوث مياهها". لأنّ الصورة وحدها كفيلة برسم صورة تعبيرية مرعبة عن مضمون التقرير.
التقرير يتضمن، بالإضافة إلى الصورة، تفسيراً لأسباب رمي النفايات، ما يرتبط بتجمعات عشوائية للعمالة الوافدة، وكذلك الأمر بسلوك شريحة من المواطنين، فتحوّلت القناة إلى مكب نفايات، وخطورة الأمر -إذا تجاوزنا كل الأبعاد المهمة، مثل البيئة والجمالية والأوبئة- أنّ هذه المياه تستخدم لريّ الأراضي الزراعية.
أتساءل ببراءة شديدة: ألم يمرّ مسؤول كبير أو صغير بجوار القناة ويشاهد هذه الأكوام المكدّسة التي تطفو على سطح القناة؟! وإذا كان ذلك صحيحاً فماذا فعلوا لمواجهة هذه الظاهرة؟!
حكومة د. الرزاز أخذت على عاتقها أولوية تحسين شروط الخدمات، من نقل وتعليم وصحة، وبالتأكيد من نظافة وبيئة وغيرها من ملفات تمسّ الحياة اليومية للمواطن الأردني، وبالتأكيد ليس المقصود هنا الخدمات في عمّان وحدها، بل في جميع محافظات المملكة، وهو ما رأيناه عندما زار الرئيس الطريق الصحراوي وعاين بنفسه حجم الاختلالات الخطيرة القاتلة، وعندما ذهب إلى بركة البيبسي التاريخية (أصبحت معلماً وطنياً مهماً! وكأنّها قدر الأردنيين وأهل المنطقة أن يتعايشوا مع الرائحة الكريهة فيها)، وقام بزيارة البشير، لكنّه -أي الرئيس- وللأمانة لا يمكنه وحده أن يقاتل على الجبهات كافّة ولا أن يغيّر واقع البلد بزيارة أو قرار!
إذاً المسألة مرتبطة بعمل جماعي بنظرية جديدة في الدولة وفي الخدمة العامة، بفريق من الوزراء والمسؤولين الذين يفهمون معنى العمل الميداني والمحاسبة والمسؤولية والثواب والعقاب، فالحكومة الميدانية لا تعني -وزراءنا ومسؤولينا الكبار- أن تجلسوا خلف الكيبورد وتغرّدوا أو تنشروا البوستات، بل أن تعيشوا مع الناس وتعايشونهم وتحلوا المشكلات الحقيقية اليومية التي يواجهها المجتمع.
ذلك يعني وزيراً يخلع البدلة الأنيقة ويتنازل عن القميص المطرّز عليه الأحرف الأولى من اسم الوزير باللغة الإنجليزية، ويرتدي ثيابا عملية وينتقل بين المحافظات والمدن، ويحفز الموظفين والمسؤولين على تغيير مفهوم العمل العام وإعادة هيكلة علاقتهم بالمواطنين وتحقيق أفضل إمكانية للخدمة العامة، وإيجاد الحلول، وليس التبرم والشكوى من الواقع الحالي!
الغور الشمالي، كما هي حال العديد من الألوية يعاني الأمرّين لتقصير الدولة والسياسات الرسمية في إنصاف الناس والمواطنين، وهناك كما يعرف المسؤولون العابرون للحكومات مشكلات كبيرة، ومنها مشكلات العمل والبطالة والتدريب ومن بينها قناة الملك عبدالله، وهو كوكب من الكواكب المنتشرة في المجرّة الأردنية، لكن مواصفاته الجغرافية والسكانية والاقتصادية أبعد ما تكون عن "كوكب عمّان الغربية"!
في الصفحة نفسها تقرير آخر للزميل أحمد التميمي من إربد عن مركز صحي الرازي الأولي بعنوان "الطبيب يعالج 100 مريض يومياً"، تخيّلوا، وفيه صورة لسور المركز الآيل للسقوط، فلا أطباء كفاية ولا بنية تحتية، وكأنّ هؤلاء المواطنين خارج سياق التغطية الحكومية والسياسية!
المطلوب من وزراء الرزاز أن يخرجوا من مكاتبهم ويقودوا فرقاً من المسؤولين والموظفين نحو تغييرات حقيقية وجوهرية في الخدمات العامة، وعلاقة المواطن بالدولة، وهذا هو المؤشر الأول على العقد الاجتماعي الجديد، وإلاّ فإنّ قصة العقد نفسها ستكون افتراضية في السوشال ميديا لا تتجاوز أزرار الكيبورد ولا حائط التويتر!
الغد الجمعة 17/8/2018