مثقفون مع وقف التنفيذ
يخطىء ويتمنى من يزعم أن العالم العربي اصبح منزوع الثقافة في العقود الاخيرة، فهذه الفئة موجودة وبكثافة سواء كانت من اكاديميين يمارسون نشاطهم داخل الجامعات او يكتبون في صحف ومجلات ومراكز ابحاث، وقد تسلل الى البعض منهم اليأس لأن ما يكتبونه يبقى محدود الصدى، والتفاعل معهم محدود لأن ظاهرة العزوف عمقت الهوة بين المرسل والمرسل اليه في عالمنا العربي مما جعل الحس الوظيفي بحثا عن امان اجتماعي يطغى على الاحاسيس الاخرى، لهذا يعود بعض المثقفين من اول الطريق ويسعى آخرون الى تحسين شروط معيشتهم.
وما كتبه د. هشام شرابي وصادق العظم وآخرون لم يتعرض للاختبار الكافي، عن المثقف العربي الذي عاش معظم حياته في المنافي والمهاجر الاوروبية والامريكية، لكن ما جدوى ان تكون تنمية الوعي للاستخدام خارج مدارها، فالعربي اولى من اي مجتمع بأبنائه الذين ادركوا التفاصيل من الداخل واصبحوا الادرى بشعاب بلدانهم ولا تخطئهم العين المدرّبة، لكنهم محكومون بوقف التنفيذ، وحين نقرأ ما كتبه علماء كفاروق الباز واحمد زويل يشعرنا بأن هؤلاء وامثالهم طالما حلموا بتحقيق مشروعاتهم في الوطن العربي واكتشفوا ان ذلك ليس متاحا لهم واستطاعوا بما كتبوه عن تجاربهم جذب ملايين الشباب العربي، الذي بلغ به اليأس حدا دفعه الى المغامرة غير المأمونة وطرق بوابات العواصم كلها!
ان المثقف المحكوم عليه بالانكفاء داخل الذات يتحول بمرور الوقت الى مخزون من المعلومات التي تفقد مع الزمن جدواها، المثقف المعطّل او المحجور عليه غالبا ما يضيع بين مطرقة اللامبالاة وسندان الجهل، والى ان تستعيد الثقافة اعتبارها ستبقى خليطا مشوشا من مفاهيم تحكمها المراوحة والمقاربات الاجتماعية فقط.
الدستور - الاثنين 27/8/2018