جمل معترضة في كتاب التاريخ
لم ولن يخلو عصر مهما بلغ من التردي والانحطاط من قلة هم الجملة المعترضة الخضراء بين سطوره، انهم شهود غالبا ما بلغوا مرحلة الاستشهاد لأنهم لم يعودوا من اول الطريق ولا يصلح عليهم المثل القائل من اول غزواته اضاع عصاه، ولا بد انهم مروا بأقانيم المراحل الثلاثة التي لولاها لاستنقع التاريخ وتخثر وما تغير وهي التغيير باليد وبدرجة ادنى باللسان واخيرا القلب حيث اضعف الايمان، لكن ندرة هؤلاء الشهود الذين يتشبثون بالجمرة حتى النهاية غالبا ما تحجبهم كما تحجب الغابة الشجرة ومن يطفون على السطح هم الذين لا وزن لهم ومنقطعو الجذور حيث لا يشدهم شيء الى الاسفل.
وحين يقول الناس ان خليت خربت فذلك تعبير بالغ البساطة عن اشكالية وجودية بالغة التعقيد لأنها من السهل الممتنع الذي يعجز عنه المتحذلقون الذين تنبع كلماتهم من الشفاه وليس من القلوب، وحين يتحدث المؤرخون عن فترات سوداء عاشتها البشرية يجدون وميضا تحت الرماد يشبه ذلك الوميض الذي لاحظه الشاعر والوالي نصر بن سيار، ففي المرحلة التي سميت الشدة المستنصرية وكان ابرز مؤرخيها ابن اياس في كتابه بدائع الزهور ثمة مشاهد من التوحش والجوع وانفراد النسيج الاجتماعي حجبت لكثرتها مواقف انسانية لأن مثل هذه الكوارث تمتحن الانسان ومجمل مكنوناته ويتضح فيها القمح من الزؤان رغم وفرة وشحة القمح،
وفي الفترة النازية كانت هناك شخصيات مضادة في تكوينها ووجدانها لهتلر وحاشيته، فهم شعراء كبار مثل ريمارك وهذا ما يحدث الان في اوروبا وامريكا وغيرهما، فمقابل الجنرال الدموي ثمة فيلسوف ومقابل من يقصف مدارس الاطفال والمستشفيات ودور العلم ومراكز الابحاث والمعابد فالتاريخ له دائما وجهان!!
الدستور - الثلاثاء 28/8/2018