ثقافة الإحباط

تم نشره الأربعاء 05 أيلول / سبتمبر 2018 12:47 صباحاً
ثقافة الإحباط
محمد ابو رمان

كفي أن تبدأ يومك بقراءة عناوين الأخبار، في الصفحة الأولى من الصحيفة، حتى تشعر بحالة شديدة من الإحباط والقلق!

فيديو مدرسة الفيصلية، وفيديو جامعة آل البيت، وصور الاعتداء على مدرسة طالبات في الزرقاء، ومعدل البطالة الذي وصل إلى مستوى قياسي (18.7 %). من أي زاوية ننظر إلى ما سبق؟! هل هو فشل السياسات العامة، ونتائج أخطاء متراكمة، منذ أعوام طويلة، على صعيد التربية والتعليم، والاعتماد على التوظيف، والاعتبارات الجهوية والاجتماعية في التعامل مع الجامعات، وسياسات الاسترضاء والتنفيع والممالأة التي أدت إلى التنمّر على القانون والإدارة ونمو الهويات الفرعية والجهوية على حساب الاعتبارات الوطنية والمدنية، التي كانت أفضل حالاً لدينا قبل عقود، بمعنى أنّ مؤسسات الدولة نفسها تعرّضت لموجة من "التزييف"، وأصبحت ضحية لتلك السياسات!

كل ذلك صحيح، لكن نجم عنه أمر في غاية الخطورة، فلم يعد الأمر مرتبطاً فقط بقرارات وسياسات إدارية، أصبح ثقافة يومية وعامة، انتظار الوظيفة، العنف البنيوي في المجتمع في تعاملنا مع بعضنا بعضا، في المدارس والجامعات والأحياء، ومن ذلك التطرّف الديني وهو عنف رمزي، المحاصصة الاجتماعية والجهوية، استُدخلت هذه المفاهيم في الثقافة الاجتماعية، وأصبحت جزءاً منها، وبدت الثقافة المدنية والقانونية وكأنّها استثناء، وليست الأصل، حتى في قلب الجامعات، التي من المفترض أنّها منصّة قيم التنوير والحداثة والتطوير.

بالتوازي والتزامن مع الحديث عن الإصلاحات المطلوبة، مالياً وسياسياً واقتصادياً وإدارياً وتعليمياً، فلا يجوز أن يبقى الإصلاح الثقافي مسألة ثانوية ومهملة، تأتي في ذيل أولويات الدولة واهتماماتها، وكأنّها شأن مرتبط بأعمال الكتّاب والأدباء والفنانين، وهذا صحيح جزئياً، لكن مع ضرورة أن يُربط ذلك بالثقافة العامة والسياسية والوطنية واليومية، وأن تكون ضمن المهمة الثقافية للدولة والحكومات، وفي نصّ الشأن العام، لا على هامشه!

إصلاح السياسات مرتبط عضوياً بالعمل الثقافي، فمواجهة معدلات البطالة تتطلب ثقافة جديدة تقدّس قيم العمل والإنجاز وتردّ الاعتبار للعمل المهني والحرفي، بوصفه فنّاً محترماً ووسيلة من وسائل التنمية الاقتصادية وحلّ معضلة البطالة، فلا يمكن الاستمرار بتجاهل معادلة غريبة وعجيبة: أكثر من مليون عامل وافد مع معدلات بطالة تصل لدى الشباب في حدود الـ40 %، ولا يمكن انتظار الوظيفة الحكومية، وهي لم تعد تجدي حتى اقتصادياً، بالمناسبة، وعلى الشباب اليوم أن يحطّم الحواجز الثقافية والنفسية التي تحول دون ثقافة العمل أو تقلّل من شأن التعليم المهني.

الحال كذلك بالنسبة لثقافة احترام القانون وتغليب قيم الكفاءة والنزاهة على مفاهيم الولاءات الجهوية والسياسية والاجتماعية، وهي -أي ثقافة القانون- مرتبطة بمهمة تبدأ منذ الأعوام الصغيرة حتى الكبر، تتواصل في غرس هذه القيم لدى الأطفال.

مواجهة العنف البنيوي والتطرف الديني مرتبطة أيضاً بإعادة تعريف وتطوير مفهوم الهوية الوطنية الجامعة، الهوية المنفتحة على الحوار والآخر والتعددية والمدنية، وليست الهوية المنغلقة المرتبطة المقعّرة، فأحد أهم أركان المهمة الثقافية اليوم تطوير مفهوم الهوية الوطنية الجامعة، وتخليصه من المفاهيم الخاطئة والارتكاسية.

ثمّة تحولات اجتماعية وثقافية هائلة حدثت، وتزاوجت الأمراض الموروثة مع العولمة المهيمنة على ثقافة الجيل الجديد (جيل الآيفون)، وهذا وذاك يعزز من أهمية وضرورة المهمة الثقافية وبناء رسالة ثقافية حضارية للدولة، تبدأ من ثقافة الحياة اليومية في قيم التعامل مع بعضنا بعضا، وتمرّ عبر ثقافة الوظيفة العامة، وتصل إلى ثقافة المال العام والقانون وتحديد الحدود والواجبات لدى المواطنين وترسيم علاقتهم في الدولة.

فوق كل ذلك نحتاج إلى ثقافة إيجابية متفائلة في مواجهة ثقافة الإحباط والتشاؤم التي باتت تهيمن على المزاج العام.

الغد - الاربعاء 5/9/2018


مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات