سياسات جريئة وصادمة
وسط حالة الإحباط الاقتصادي الرسمي والشعبي، تبدو التوقعات محدودة ولدى البعض معروفة فلا يوجد في الأفق اختراقات ممكنة في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، فالكثير من الافكار والسياسات جربت في السنوات السابقة بعضها طبق ونجح جزئيا ولم تصل آثاره الى الناس، وأخرى فشلت تماما، وبعضها الآخر لا يدري أحد الى اليوم مصيره، هذا التصور ليس صحيحا بالمطلق؛ فلا يمكن الاستمرار في الحديث عن نهج جديد او نهضة جديدة بدون أدوات جديدة ومختلفة تماما عما عهده الناس، وعلى رأس هذه الصفحة ماذا عن السياسات الجريئة وليست المغامرة، فالحالة الأردنية اكثر ما تحتاج اليوم الى نمط من السياسات الجريئة الخارجة عن المألوف وأحيانا الصادمة ولكنها القادرة على اعادة بناء الاقتصاد ودوره الاجتماعي.
قد تكون بعض أفكار السياسات الجريئة صادمة وقد تواجه ممانعة ورفضا لدى فئات واسعة داخل الدولة والسوق والمجتمع لمبررات قد تكون مقنعة للوهلة الأولى، بعضها اقتصادي او أمني او اجتماعي، ولكن في كل التجارب التاريخية الحديثة للمجتمعات التي تجاوزت عتبة التحديث كان المطلوب نخبة حكومية اختراقية ونمط قيادة تنفيذية غير تقليدي وسياسات غير تقليدية. هل يمكن توفر هذه العناصر لدينا في هذه المرحلة؛ لا ندري!
ما هي السياسات الجريئة التي نحتاجها، وهل تبقى ما لم نجربه في الحالة الأردنية. أزعم أن هناك عشرات الافكار الاختراقية في كل قطاع قابلة أن تحدث الفرق. على سبيل المثال؛ ماذا لو ألغى الأردن تأشيرات السفر او على الأقل أعلن خطة حتى 2025 ينتهي من كل العوائق التقليدية أمام السفر والسياحة للأردن؟ ماذا لو سعى البنك المركزي الى انشاء بنك محلي في كل محافظة يسهم فيه القطاع العام بنصف رأسماله وتسهم المجتمعات المحلية والمستثمرون فيما تبقى ويهدف لتحريك عجلة التنمية المحلية وبناء اقتصاد وسوق محلي، ماذا لو وضعنا خطة جريئة لتحقق عمان جاذبية عالية لرجال الأعمال الشباب والاستثمارات الصغيرة من مختلف انحاء العالم اي حزمة امتيازات وحوافز جريئة وغير مسبوقة في المنطقة.
كيف تحولت دولة مثل اثيوبيا من أرض المجاعات والفقر خلال عقد الى دولة من اكثر الاقتصادات العالمية نموا، بنسبة بطالة لا تتجاوز 5 %، ونسبة تصنيع 13 % واكثر من 100 مليار استثمارات معظمها صينية وهندية وتركية وعربية واستثمارات غربية محدودة جدا، وكيف حدث اكثر من ذلك في بلد اهلكته الحروب مثل روندا التي سرعان ما تعافت في العقد الأخير، وتضاعف الناتج الإجمالي الوطني ومعدل دخل الفرد نحو ثلاثة أضعاف. وفي 2008 انتخب أول برلمان ديمقراطي معظمه من الروانديات وحازت العاصمة كيجالي على لقب العاصمة الأكثر نظافة وأمنا وتنظيما في أفريقيا ومنحت جائزة عالمية بهذا الشأن. بل اصبحت مقصدا لرجال الأعمال والمستثمرين من مختلف أنحاء العالم. وبموجب ذلك يستطيع الاقتصاد الرواندي توفير نحو 200 ألف فرصة عمل وتسعى الدولة للدخول في نادي الاقتصادات الصاعدة بحلول 2020. يحدث ذلك ولو بشكل اقل في كينيا التي تتحول حاليا الى قبلة لرجال الاعمال الصغار والرياديين في مجال تكنولوجيا المعلومات، ويحدث ذلك في دولة طالما وصفت بالفقيرة كنيجيريا التي تجاوز فيها معدل النمو 7 %.
في كل تلك التجارب وغيرها، نجد سياسات جريئة وغير متوقعة وبعضها صادمة، ونجد نمط قيادة جديدا قادرا على إحداث الاختراقات وقادرا على مد الحياة العامة بكيمياء جديدة تعيد رسم توقعات الناس وتعيد تشكيل قدرة المؤسسات على التكيف مع التغيير واستيعاب الصدمات.
الغد - الثلاثاء 25/9/2018