"قصة جيل": وهن العظم منّي!
أعتذر أنّني تأخرت 10 أعوام لقراءة رواية الصديق المبدع د. محمد حسن العمري "وهن العظم مني: حوارات أجيال مجتزأة من بوابة الجامعة الأردنية إلى المجهول"، بالرغم من أنّني أتذكر مقالاً مهماً للصديق د. أحمد جميل عزم عن الرواية، وحتى نقده لبعض الجوانب، التي تخفى على القارئ، وربما على المؤلف نفسه!
لكن دعونا نقفز من زاوية النقد الأدبي أو الجانب الفني إلى متعة القراءة التي شعرنا بها نحن جيل السبعينيات، وربما يشاطرنا في ذلك آخرون كثيرون من الجيل نفسه في العالم العربي؛ إذ وجدنا أنفسنا في الرواية، بمشاربنا الأيديولوجية المختلفة ثقافاتنا المتباينة في الجامعات، بخاصة الشباب الذي كان يمتلك هاجساً فكرياً أو سياسياً.
بطل الرواية هو أيوب أبو شاكيرا، وخشيتُ أن أتحدث مع صديقي محمد لأسأله إن كان البطل حقيقياً أم أنّه وهمي (كي لا يجيبني بغضب كما فعل إبراهيم غرايبة، ويصرخ في وجهي: لا تفسد سرّ الرواية؟!)، وهو شاب، غير منظّم حركياً، وخليط فكرياً، ما بين التنشئة الإسلامية والتأثر بالمدّ الإسلامي، خلال تلك الفترة، التي صبغ ثقافة جيل واسع من الشباب، في مرحلة مبكّرة، ثم المدخلات الجديدة على تلك الثقافة، والتأثر بالأدب الفلسطيني النضالي، والمثقفين الإسلاميين الصاعدين حينها: طارق سويدان، عائض القرني، وغيرهما ممن أصبحوا يؤثّرون بجيل واسع من الشباب الإسلامي حينها.
المتعة الحقيقية في نصّ العمري تتمثل في أنّ كثيراً من الشباب من ذلك الجيل يملك نصّه الموازي أو هامشه الخاص على نصّ العمري، وله ذكريات ووجدانيات مرتبطة بتلك الحقبة وهي التسعينيات، عندما كان جيل السبعينيات في العشرينيات، وفي بداية الشباب، والتأثّر بالموجات الفكرية المتوالية في العالم العربي.
الأجمل أنّه يلتقط سيكولوجيا هذا الشباب، ويشرّح نماذج متعددة، على الشاب الجامعي، الذي لا يهوى السياسة ويحب المتعة اليومية في الجامعة، وعبد الناصر الطالب الشيخ المحافظ، وبينها أيوب المتنوع ثقافياً وفكرياً، المتدين المنفتح، المثقف، الذي يتابع الأغاني والأناشيد في الوقت نفسه، ويقرأ عبد الوهاب المسيري وعبد الرحمن منيف، ومحمود درويش ومتعمّق بالتراث الأدبي العربي، وهكذا تبدو حال مؤلف الرواية نفسه، الذي يظهر لنا، في تعليقاته على صديقه (أبي شاكيرا) ليرشدنا إلى مفاتيح فهم هذه الشخصية وقراءة "العقل الباطن" لها.
الرواية جميلة، وكان يمكن أن تكون أجمل بكثير، لو أعطاها صديقنا العمري وقتاً إضافياً وعمّق بعض الجوانب فيها، ففيها بالفعل قصة جيل من الشباب الأردني، وربط الأحداث ورصد لمرحلة تطوّر التكنولوجيا وبداية دخول العولمة إلى المجتمع الأردني، وهذا الجيل، وتأثير الفضائيات والتلفونات المحمولة كمدخلات جديدة، وتُظهر قدرة ملحوظة لدى العمري على رصد الشخصيات واستنطاقها وتكثيف معالمها وتطوراتها بلغة سهلة بسيطة تجمع ما بين السخرية والنكتة والدراما.
كما هو صاحبها رواية العمري عميقة، لكنّها في الوقت نفسه خفيفة الظل، وتؤكّد لنا أنّ صاحبها قادر على إتحافنا مستقبلاً بعمل آخر، يضاف إلى الأعمال الجديدة لدى جيل من الشباب المتميز أردنياً، بما يساعدنا على تطوير دور الرواية لفهم المجتمع وتحولاته الثقافية والنفسية، وإدراك التغيرات التي تحدث بصورة أفضل.
الغد - الجمعة - 28/9/2018