ممنوع من الفشل
انهارت نسبة من يعتقدون أن حكومة الرزاز أفضل من حكومة الملقي من 81 % قبل 3 أشهر الى 54 % الآن، هذا وفق نتائج استطلاع للرأي نفذه مركز نماء للاستشارات الاستراتيجية برئاسة الصديق د. فارس بريزات وتم نشره أمس. نتيجة موجعة رغم أنها لا تخرج كثيرا على المألوف مع كل الحكومات التي يحيطها حال تشكيلها نسبة تفاؤل عالية تنحدر مع أول استطلاع لاحق، فهذه الحكومة بوصفها حكومة النهج الجديد ليس جديرا أن تجد نفسها على نهج الحكومات السابقة في استطلاعات الرأي كما تعودنا مع استطلاعات مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية الذي سينشر قريبا جدا على الأرجح استطلاعه عن مائة يوم من عمر الحكومة.
الحكومة تتراجع وإن بنسبة أقل حدة في الإجابات عن بقية الأسئلة، لكن ما يلفت النظر هو النسبة العالية التي تؤيد احتجاجات جديدة على الضرائب وضد الفساد وبلغت ثلثي المستجيبين. أما نسبة من يؤيدون احتجاجات لإسقاط حكومة الرزاز فقد بقيت عند نسبة
30 % كما كانت في مطلع عهد الحكومة؛ أي أن من يريدون الآن إسقاط حكومة الرزاز لم تزد نسبتهم عمن رفضوها من البداية، وبمعنى آخر فإن الجمهور الذي تراجعت ثقته بقدرة الحكومة على التغيير لم يستنفد الأمل ويريد تمديد الفرصة لها. وأعتقد أن هذا هو لسان حال قادة الرأي، فالجميع يعرف أن مائة يوم فترة قصيرة جدا لرؤية نتائج تنعكس على حال الناس. وكلنا نريد ونأمل أن تنجح الحكومة لكن لا أحد يحلف على المستقبل أو يجزم بنجاح الحكومة في التغلب على قوى الشد العكسي في السلطة والمجتمع، والفساد ليس سرقة المال العام فقط بل الخلل في السلوك العام على كل المستويات وفي مختلف المرافق، والأمر يتطلب نهجا جديدا من إدارة الدولة ولفترة طويلة جدا تجر معها المجتمع نحو التغيير وهو ما يعنيه التحول الى مجتمع الإنتاج والاعتماد على الذات ودولة القانون والمؤسسات.
الى جانب الجهد الحثيث والحازم لتغيير النهج والذي لن يؤتي ثماره سريعا يجب إدارة معركة الانطباع لتحقيق دعم شعبي لبرامج الحكومة التي يفترض أن تضرب الفساد والمصالح القديمة والمقاومة العميقة للإصلاح. ومبكرا اقترحت إعلانات تقشفية ذات صدى منها مثلا أن يعلن الرئيس خفضا دراماتيكيا بنسبة 50 % على رواتب الوزراء ولو لهذا العام مما سيكون له صدى محليا وخارجيا قويا ولدى الجهات المانحة والمقرضة، لكن تم الاكتفاء بنسبة 10 % لم تلفت انتباه أحد.
مهما كانت نسبة الثقة بالحكومة فإن الفشل ممنوع وسقوط الحكومة هو سقوط لقضية التغيير وعودة الى نقطة الصفر، فالرزاز جاء كخيار ملكي يلاقي الحركة الاحتجاجية في أول الطريق فماذا يعني الإطاحة بهذا الخيار؟! قد يكون الحل بتجديد انطلاقة الحكومة كحكومة إنقاذ وطني كما كان يفترض منذ البداية وذلك عبر تعديل وزاري يحولها الى حكومة أقطاب سياسيين من تيارات مختلفة لديهم المصداقية السلوكية والعمق السياسي والتمثيل الاجتماعي الى جانب الحفاظ على كفاءات تكنوقراطية رئيسة. وانطباعي أن الرئيس عند التشكيل بدأ برؤية فنية ضيقة منفصلة عن الرؤية السياسية الاجتماعية الاستراتيجية التي كان هو نفسه منظرا لها وقد استغلت قوى الأمر الواقع هذا التنظير للتلويح بفزاعات الليبرالية والليبرالية الجديدة مع أن النهج المطروح هو نهج الوطنية واقتصاد السوق الاجتماعي والعدالة في توزيع مكاسب التنمية والحفاظ على المقدرات والموارد الوطنية أي نقيض نهج الليبرالية الجديدة.
الغد - الجمعة 28/9/2018