المهمة المستعجلة
تثير الحوادث الأخيرة قلقاً شديداً لدى المواطنين من أنّ ما أحرزته الحكومات السابقة من تقدّم ملموس، وأتحدث هنا عن حكومة د. عبدالله النسور وهاني الملقي، في مجال استعادة هيبة الدولة وحكم القانون، تراجع بصورة ملحوظة خلال الأيام الماضية!
مشهدا طرد رئيس جامعة آل البيت (وعودة الموظفين الموقوفين)، ثم مديرة للتربية والتعليم في إحدى المناطق، وفي الأثناء القصة المفجعة لوفاة الطفل أشرف الكردي خلال اعتداء فاردة (وتصريحات والده المقلقة أكثر التي ذكر فيها بأنّ الأمن الموجود لم يتدخل لحمايتهم!)، لا تقع منفصلة عن سياق عام يشعر فيه المواطنون بأنّ هنالك محاولة لكسر صورة الدولة ومؤسساتها والإطاحة بكل الحديث عن هيبة القانون، وربما الطريقة التي طرد الوزراء فيها من المحافظات، أعطت رسالة بالاتجاه الخاطئ!
مثل هذا الوضع يتطلب فوراً رسالة قوية واضحة من الدولة، على صعيد القول والفعل، في التأكيد على أنّ معركة الدولة اليوم وأمس وغداً هي معركة تطبيق القانون على الجميع، بلا مواربة ولا مجاملات، وعدم قبول تجزئة هذه القيمة "حكم القانون"، أو المساومة عليها هنا أو هناك، استرضاء لهذه الجهة أو تلك المؤسسة، جهوياً أو سياسياً.
ومن الضروري أن تنتهي ما بدت وكأنّها حالة كرة ثلج متدحرجة خلال الأيام الماضية، من عمليات التنمّر على القانون، فيما يشبه استرخاء من قبل الجميع. وكثير منّا يتذكّر كيف وصلت الحال - قبل أعوام- في امتحان الثانوية العامة، عندما أصبح الأهالي يدخلون مسلحين لبعض قاعات الامتحان ويُحضِرون معلمين يعطون الإجابات للطلاب، والجميع متواطئ وصامت، إلى أن جاء د. محمد الذنيبات وزيراً للتربية والتعليم، وأخذ موقفاً حاسماً وشجاعاً، بدعم بالطبع من أعلى المستويات، وأوقف الظاهرة، ولم يرف له جفن، فانتهت منذ ذلك الحين، فمثل هذا الموقف الشجاع الصلب هو المطلوب اليوم من المسؤولين على مختلف المستويات.
وهكذا كانت الحال مع ظاهرة سرقة السيارات، وسرقة المياه والكهرباء، وانتشار المخدرات، وإطلاق الرصاص في الأعراس، إذ انفجرت حالات التنمّر على الدولة والقانون والمجتمع، حتى اتُّخذ قرار واضح بإعادة الأمور إلى نصابها، وترسيم معالم القانون مرّة أخرى في المجتمع.
اليوم تبدو الأمور وقد بدأت بالتفلت مرّة أخرى، ما يتطلب المسارعة إلى إيقاف ذلك، و"تحمير" عين الدولة في الدفاع عن سيادة القانون. فإذا كانت هنالك حالة من السخط الاجتماعي على الوضع الاقتصادي، واحتقانات اجتماعية، وانقسامات سياسية، فذلك ليس مبرراً في التراخي بالالتزام بمبدأ "دولة القانون"، والعودة إلى مرحلة بدأنا نتعافى منها خلال الأعوام الماضية، اتسمت بقدر كبير من العنف المادي والرمزي، مجتمعياً وجامعياً وفي الملاعب..الخ.
لا يمكن أن يمرّ أي إصلاح سياسي، أصلاً، وأن ننتقل إلى مرحلة جديدة من التحول الديمقراطي، كما نأمل، أو نجتاز هذه المرحلة الانتقالية الصعبة من التحديات التي تواجه الدولة من دون وجود مؤسسات دولة قوية ومتماسكة، تعمل على تطبيق القانون بصرامة، وترفض الابتزاز والتحايل أو المقايضات السياسية على ذلك. بل أحد أبرز الشروط لتحقيق الديمقراطية هو دولة القانون والمؤسسات التي تحمي الحريات العامة وحقوق الإنسان، ومن دون توافر هذه الشروط فلا نتحدث عن حرية ولا عن ديمقراطية أو عن حرية تعبير، بل عن قانون الغاب والفوضى والاستقواء على الضعفاء، والعودة إلى الانتماءات الأولية!
الغد - الأحد 30/9/2018