من أزمة اقتصادية إلى أزمة سياسية

تم نشره الإثنين 01st تشرين الأوّل / أكتوبر 2018 12:50 صباحاً
من أزمة اقتصادية إلى أزمة سياسية
جميل النمري

ارتفعت سخونة النقاشات وهي انزاحت من مناقشة حول السياسة الاقتصادية إلى مناقشة حول السلطة السياسية. ونلاحظ أن هذا يحدث عند كل منعطف أو أزمة. ونحن اليوم أمام أزمة اقتصادية عميقة ومواجهة حادة حول قانون معدل للضريبة يراه الناس تصعيدا لمنطق الجباية للحكومات المتعاقبة والنهج نفسه الذي أوصلنا الى مديونية تقترب من 100 % من الناتج الوطني الإجمالي.
من المفارقات أن دولة مثل اليابان يصل الدين العام فيها إلى أكثر من 220 % من الناتج الوطني الإجمالي لكنها لا تعاني من أزمة ولا تعلل المديونية بفساد السلطة والتطاول على المال العام و نهب "مقدرات" البلاد ؟
طبعا الاستنتاج الفوري الواضح من هذه المقارنة أن اليابان ديمقراطية كاملة ومستقرة لا تحتاج إلى إعادة النظر في بنائها السياسي فالسياسات تقررها حكومات منتخبة ثمثل حزبا أو تحالفا يتغير في كل دورة انتخابية وفق إرادة الجمهور ولا يوجد مناطق معتمة خارج مساحة الرقابة والمساءلة ولا تثير المديونية والعجز تساؤلات واتهامات حول حقيقتها وأسبابها!
لكن للحقيقة والإنصاف يجب أولا ملاحظة الفارق النوعي بين الاقتصادين. الفارق الأساسي هو ما يميز كل اقتصاد متقدم عن اقتصاديات العالم الثالث، وبالنسبة للمديونية فهي موجودة في الدول المتقدمة وبنسبة أعلى مما هي عندنا لكنها لا تسبب أزمة حادة ولا تدخل صندوق النقد، فعلى سبيل المثال فإن أكثر من 90 % من الدين العام الياباني هو دين داخلي والعجيب أنه حتى مع نسبة دين كهذه تستمر أسعار الفائدة ما بين 1 % إلى 2 % وكذا السندات الحكومية ولا تضطر الحكومة إلى رفع الفوائد إلى سقوف عالية جدا كما يحدث عندنا لحماية الدينار من الانهيار وكما نعلم فارتفاع الفوائد يعني غلاء العملة وتصعيب الاقتراض للاستهلاك والاستثمار. أي إدامة وتعميق الركود الاقتصادي وبالنتيجة تقليص عوائد الحكومة أي إعاقة قدرة الحكومة على الإنفاق ناهيك عن سد العجز وتسديد الالتزامات. طبيعة الاقتصاد عندنا تدفع الحكومة الى ما تعتبره الأقل خطرا بين سيئين أي حماية الدينار من الانهيار. وهو الأمر الذي لا يحدث في اليابان لأن الاقتصاد يعتمد على الإنتاج والتصدير، ولا خطر على توفر العملة الصعبة ولا خطر من زعل صندوق النقد. ومع أن صندوق النقد و النظام الاقتصادي بشكل عام يعتبر نسبة 60% هو الحد الآمن للمديونية وهو ما ألزم الأردن نفسه به في قانون الدين العام يصل الدين الياباني 4 أضعاف هذه النسبة بينما نضطر نحن إلى توسل موافقة صندوق النقد لأن الاعتماد عندنا هو على الإقراض الخارجي.
أزمة المديونية إذن هي في الجوهر أزمة البنية الخاصة بالاقتصاد الأردني الهش والتي لم تتغير حتى بعد الخصخصة وتحرير السوق وتستكملها فجوة الثقة بالسلطة، الفجوة التي تصبح مرتعا لشبهات وإشاعات الفساد والامتيازات.. وهنا نعم تتحول الازمة الاقتصادية الى ازمة سياسية ولا يعود ممكنا الحديث عن الاصلاح الاقتصادي دون السياسي.

الغد - الاثنين 1/10/2018



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات