"باي باي نافتا".. انتصار ترامب الجديد؟
راجعتُ عناوين عشر من أكبر وسائل الإعلام الأميركية والبريطانية، بخصوص اتفاق التجارة الجديد في أميركا الشمالية، فكانت ثمانية عناوين تعتبر ما تحقق مكسبا للرئيس الأميركي دونالد ترامب، أو للولايات المتحدة. وواحد كان على شكل سؤال "ما الفرق بين الاتفاق الجديد والقديم؟"، وأفردت واشنطن بوست مقالاً في الاتجاه الآخر، يقول "نافتا ترامب الجديد هو ذات القديم تقريبا ولكن ما الثمن الذي تم دفعه؟"، وقالت شبكة تلفزيون CNBC، إنّ الاتفاق الجديد سيكون بلا شك قضية حيوية في الانتخابات المقبلة.
كان ترامب قد أعلن يوم الاثنين الفائت أنّه جرى التوصل لاتفاق تجاري جديد بين بلاده وجارتيه المكسيك وكندا، بعد أشهر طويلة من الخلاف والجمود في العلاقات، بسبب إصرار ترامب على تعديل "اتفاق التجارة الحرة في أميركا الشمالية"، المعروف باسم "نافتا"، والذي وصفه بأنّه "أسوأ اتفاق على الإطلاق"، وأعلن التوصل لاتفاق جديد قال إنّه "اتفاق تجاري جديد رائع"، وللاتفاق الجديد، اسم مختلف هو اتفاقية الولايات المتحدة، والمكسيك، وكندا (USMCA).
بلغته المعهودة وصف ترامب الاتفاق في حديثه للإعلام بأنه "أخبار تاريخية حقاً لأمتنا والعالم". والواقع أنّ أسعار الأسهم في بورصة "وول ستريت" والعُملات الكندية والمكسيكية، كلها شهدت ارتفاعاً على وقع الاتفاق، بعد أن تم تفادي الأضرار التي كانت ستحصل لو انسحب ترامب من الاتفاق.
من بين متغيرات الاتفاق الجديد، أن الإعفاءات الجمركية للسيارات الواردة للولايات المتحدة من المكسيك وكندا، مشروطة بأن تكون 70 بالمئة من قطعها مصنعة في هذه البلاد، بدل 62.5 بالمئة، في المقابل تعفى سيارات البلدين مستقبلا من أي جمارك قد تفرض على استيراد السيارات (حتى عدد سيارات معين)، واتفق أن لا تقل أجرة العمال في صناعة هذه السيارات، عن 16 دولارا للساعة، وهو ما يضر المكسيك بشكل خاص، وكذلك تضمن الاتفاق السماح للمزارعين الأميركيين بحصة أكبر في سوق الألبان ومشتقات الحليب الكندي. ولم ينجح ترامب في تعديل الاتفاق على واردات بلاده من الألمونيوم والصلب.
كتبت آن أبليباوم، في واشنطن بوست، أن موقف ترامب الأصلي أنه لا داعي أصلا لاتفاق تجارة حرة، وترى أن الاتفاق الجديد أدى إلى "أن الأطراف الثلاثة كسبت أشياء، وثلاثتها تنازلت عن أشياء، والاتفاق استمر كما كان".
وبحسب الكاتبة، وأيضا بقراءة البنود المذكورة أعلاه، لا يبدو أنّ هناك حقاً تغييرا استراتيجيا يذكر في الاتفاق، وأهم ما تغير، كما تشير أبليباوم، هو تراجع اللغة الغاضبة لترامب، وحل محلها خطاب تملؤه السعادة.
ربما أحد أسباب السعادة، أن ترامب يمكنه الزعم الآن للناخبين، أنه يغير اتفاقيات سابقة غير عادلة، وإذا استمرت مؤشرات الاقتصاد الأميركي في تحسن، قد يزعم أن ما فرضه على الصين وتغيير "النافتا" وقيود الاستيراد من أوروبا، وغير ذلك، من سياسات، هي سبب التحسن، مع أن هذا قد لا يكون صحيحاً، فالاقتصاد بدأ يتعافى منذ عهد باراك أوباما.
لكن هذا الاتفاق قد يكون خبرا سارا فعلاً للعديد من الناس، بل وللعالم، فقد يقدم نموذجا للصين وأوروبا وحتى إيران، أنّ الموضوع ليس صعبا، وأنه يكفي الجلوس مع ترامب وإدارته لمناقشة تغييرات طفيقة تعود بعدها الاتفاقيات لسابق عهدها، سواء في مجالات التجارة مع الصين وأوروبا أو الاتفاق النووي مع إيران، وربما أيضاً اتفاق باريس للمناخ. وبذلك يخرج الجميع كاسباً، بغض النظر أنّ العالم قد يكون دخل عمليات تفاوض وتوتر لا ضرورة لها.
فإذا تكرر سيناريو "النافتا" على النحو الذي يراه بعض المحللين، من أنه لا يتضمن تغييرا حقيقيا، يمكن لترامب أن يدّعي أمام نفسه وأمام ناخبيه أنه أوفى بوعوده وأصلح الأوضاع الخاطئة التي بحسب كلماته "تجعل العالم يضحك على أميركا". في المقابل فإنّ منظمات دولية، واتفاقيات عالمية، واتفاقيات تجارية، سيتم الحفاظ عليها بهذه الطريقة. وبطبيعة الحال هناك ملفات لا ينطبق عليها هذا الأمر (القبول بالتعديلات الشكلية أو المحدودة)، ومن هذه الملفات السياسات التي تتخذ ضد الفلسطينيين، من مثل موضوع القدس ووكالة الغوث، ولكن لو وجد سيناريو عاد فيه الفلسطينيون للمفاوضات سيبدو الأمر أيضاً "انتصارا" آخر يعلنه ترامب.
الغد 2018-10-04