الأهم ماذا قال، وليس لمن تحدث

تم نشره الجمعة 05 تشرين الأوّل / أكتوبر 2018 12:46 صباحاً
الأهم ماذا قال، وليس لمن تحدث
عريب الرنتاوي

انصب اهتمام المراقبين والمعلقين حول ما إذا كان يحيى السنوار على علم بهوية الصحفية التي أجرت معه مقابلته الأخيرة، أم لا ...منتقدو السنوار أخذوا عليه أن تحدث لصحيفة «يديعوت أحرونوت» بوصف ذلك عملاً «تطبيعياً» مرذولاً، ومؤيدوه لاذوا بالصمت المريب إلى أن تصاعد الدخان الأبيض من مدفئة مكتبه ... وهو حين تصدى لهؤلاء بالنفي والتوضيح، اكتفى بالقول إن الصحفية أنكرت هويتها، وأنه لم يكن يعلم بأنها «ستبيع» المقابلة للصحيفة الإسرائيلية ... أما عن مضمون ما جاء في المقابلة، فقد اكتفى السنوار بالقول أن بعض «التحوير» الذي أجرته المراسلة، كان بهدف إظهار أن المقابلة أجريت لصالح الصحيفة الإسرائيلية، أما بقية ما ورد على لسانه، وهو الأهم من وجهة نظري، فلم يتطرق له كثيرون، لا من مؤيدي السنوار ولا من معارضيه، بل ولا من السنوار نفسه في بيان النفي والتوضيح.
لست آخذ على السنوار أنه تحدث لصحيفة إسرائيلية، بل وأحسب أنها نقطة تحسب له لا عليه، مع أنه يرفض ذلك تماماً، وكثيرون غيره ... السنوار قضى أكثر من عقدين في سجون الاحتلال، وأتيحت له الفرصة لتعلم العبرية والتعرف على أنماط التفكير الإسرائيلي، وهو حرص منذ تولي قيادة حماس في غزة، على إيلاء اهتمام أكبر بالإعلام الحمساوي الموجه للجمهور الإسرائيلي وبلغته.
ما يهمني أكثر، هو ما كشفت عنه أجوبة السنوار على أسئلة المراسلة الصحفية، من تطورات وتبدلات في لغة حماس ونبرتها وأولوياتها، وما وفرته من مادة تصلح للتعرف على الطريقة التي تفكر بها حماس اليوم، بعد أحد عشر عاماً من إمساكها بتلابيب السلطة، وما صاحبها من عقوبات وحصار جائرين ... هذا هو الجانب الأكثر أهمية في المقابلة، وليس مع من أجراها وأين وكيف وصلت إلى الصحيفة الإسرائيلية الأكثر انتشاراً.
بدا من المقابلة، أن الرجل «مستميت» للحصول على «تهدئة» مع إسرائيل، أية تهدئة وعبر أي وسيط، شريطة أن تكون مقابلها تفكيك أطواق الحصار عن القطاع، لا مطرح هنا للحديث عن المقاومة والتحرير والعودة التي اتخذت مسيرات حماس منها، عنواناً لها ... وكان لافتاً أن السنوار تحدث عن «زوال الاحتلال» وليس عن «إزالة الحصار»، تلكم نقطة مهمة وشفافة في تفكير الرجل، حيث اعتدنا أن نسمع من حماس، أن القطاع بات محرراً، خارج الاحتلال، وأن ما حصل في العام 2005 هو «تحرير» للقطاع، وليس انسحاباً أحادي الجانب، ومفخخاً، من قبل أريئيل شارون.
باسمه واسم كثير من الفصائل التي لم يسمها، تعهد السنوار بالهدوء المطلق مقابل التهدئة ورفع الحصار، شرح الاعتبارات الإنسانية الناجمة عن المعاناة، وبدا أن جُل، إن لم نقل، كُل، ما يشغل بال حماس ويحتل صدارة أولوياتها هو «رفع الحصار»، ودائماً بما لا يفقدها «سلطة الأمر الواقع» القائمة في القطاع.

هو لا يريد الحرب، هكذا قال، فهي ليست في مصلحة أحد ... وكلمة مقاومة لم ترد مرة واحدة على لسانه، أقله في النص الذي قرأته مترجماً من أكثر من مصدر، مع أنه قال إنه إن اعتدت إسرائيل على القطاع، فسيدافع عنه، ولن تحصل تل أبيب على مبتغاها.... السنوار، غادر مربع «التبجح» الذي طالما دارت في إطاره تصريحات قادة كثر من حماس، حين قال: «من يريد أن يحارب دولة نووية (إسرائيل) بأربعة مقاليع»، والنص والرقم من عنده وليست من عندي.
ذكرتني تصريحات السنوار، بانشغال خالد مشعل قبل عدة سنوات بما أسميته «رياضيات المقاومة والردع» حين قال إن معادلة الخسائر بين الفلسطينيين والإسرائيليين وصلت إلى (2مقابل 1)، وأن وقتاً ليس بعيداً سيأتي حين يتعادل حدّي المعادلة هذه ... نحن هنا أمام لغة جديدة، ومنطق جديد... نحن هنا أمام نموذج حي، عن كيفية تطويع السلطة باحتياجاتها وحساباتها، للمقاومة بضروراتها ولغتها ومفرداتها.
ثقة السنوار بقدرته على «تحقيق تسوية مع إسرائيل» بدت أكبر من قدرته على إلحاق الهزيمة بها ... بدا متفائلاً بفرصة التوصل إلى اتفاق سلام غير مباشر مع إسرائيل، وحدد لذلك موعداً هو منتصف الشهر الجاري، أي بعد عشرة أيام (في الحقيقة لا أدري من أين جاء بهذه الثقة والتفاؤل)... بدا استعداده ا لاحترام أي اتفاق معها وحفظ توقيعه عليه، أكبر من رغبته في تطوير معادلات «الردع والرعب» و»التوازن المتبادل»، وفرض «قواعد اشتباك» جديدة ... ولولا أننا نعرف المتحدث ونعرف أين تمت المقابلة، لقلنا أنه أحد قادة فتح والسلطة والمنظمة هو من أدلى بهذه التصريحات، لصحيفة» لا ريببليكا» أو «يديعوت أحرونوت»، لا فرق.
وحتى حين حاول التلويح بورقة «تصعيد المقاومة» اختار مفردات مغايرة تماماً، غير تلك المتداولة في خطاب حماس ... قال إذا لم يكن هناك اتفاق (مع إسرائيل بعد عشرة أيام)، فإن حماس ستسبب الفوضى من خلال المظاهرات الحاشدة على الحدود بين غزة وإسرائيل»... استبدل المقاومة بالفوضى، وهو أمر يفسر بعض الجوانب غير المعلنة، أو بالأحرى، المسكوت عنه، في مظاهرات العودة الكبرى وما يجري على الخط الحدودي والشيك الدامي، ويشف عن الأهداف الحقيقية للحركة الكامنة وراء تسييرها.
تصريحات السنوار، تستحق التأمل والتدقيق فيما يدور داخل الحركة، والأهم فيما يعتمل في ذهن أحد أبرز قادتها، الذي قد تتفق معه أو تختلف، بيد أنه من الصعب على أي منصف وموضوعي، التشكيك في كفاحية الرجل والتزامه الوطني.

الدستور - الجمعة 5/10/2018



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات