معنى التعديل الوزاري
في المقال الماضي تحدثنا كيف تحولت الأزمة الاقتصادية إلى أزمة سياسية أعادت مجددا موضوع الإصلاح السياسي على الطاولة وهو ما تحدث به جلالة الملك أمام إعلاميين. لكن هل نستطيع أن ننجز الإصلاح السياسي بل حتى الإصلاح الاقتصادي بحكومة ذات طابع فني أساسا؟! الإصلاح ليس تشريعات فقط انه إدارة المرحلة وفق رؤية وخريطة طريق تحفر مجرى الإصلاح. ونحن كتبنا بعد الانتخابات الماضية اننا استنفدنا مشروع الإصلاح السياسي والجعبة الآن خاوية، فالقوانين التي أنجزت لم تعط أي نتيجة لا انتخابات مختلفة ولا قوائم برامجية ولا أحزاب ولا حكومة برلمانية ولا شيء مما هدفت إليه هذه التشريعات، ولا جدوى من إعادة الكرة بالطريقة اياها، أي إعادة طرح القوانين للتعديل معزولة عن بعضها تخضع لتجاذبات تنتهي بها إلى صيغة فاشلة كما ثبت مع كل جولة ماضية.
هذه المرة الطريق مختلفة فإما أن يكون هناك إدارة سياسية تمسك الملف وتضع خريطة طريق تؤدي بصورة واضحة (وفق تعبير استخدمه جلالة الملك) للانتقال من النقطة ألف حيث نحن إلى النقطة ب حيث يجب أن نكون! أو لا نهدر وقت بعضنا وننهك الناس بما لا طائل من ورائه. لا تنقصنا محاولات اخرى تقوض المصداقية وتوسع الفجوة الى مستويات لا يمكن ردمها. ونحن نرى نتائج تدهور الثقة في تجربة الحكومة الحالية ولقاءات الوزراء مع الناس والردود على ضريبة الدخل. ولدينا الآن نتائج استطلاعات الرأي التي تبين كيف هوت الثقة بالحكومة في وقت قياسي.
لنذهب مباشرة إلى استخلاص الدرس والاجابة على سؤال .. ما العمل الآن؟! كنا كتبنا مقالا سابقا تحت عنوان ممنوع الفشل نقول فيه ان فشل الرئيس الحالي هو كارثة معنوية لقضية الإصلاح فالرئيس جاء كخيار يمثل تجاوب القيادة مع الاحتجاجات الشعبية والشبابية وسقوطه يعني سقوط هذا الخيار ودفن قضية الإصلاح ولا ندري تداعيات فقدان الأمل على المجتمع!
الرئيس وضع موعد المائة يوم كمحطة للتقييم وتجديد الفرصة خصوصا ازاء الانتقادات الحادة للتشكيلة الوزارية، ونتائج الاستطلاعات تشير أن رصيد الحكومة عند المؤشر الأحمر ولا بد من انطلاقة جديدة، ومع البرنامج الذي سيطرحه الرئيس للعامين المقبلين هناك طبعا التجديد في عربة القيادة أي التعديل الوزاري الذي يفترض أن يشحن رصيد الرئيس مجددا.
ما هو التعديل الوزاري؟ هناك حديث عن دمج وزارات وتقليص عدد الوزراء وهذا بحد ذاته لا يصنع جديدا بل يضع الوزراء أمام مخاطر تجربة أن يدير كل وزير وزارتين أو أكثر والوقت ليس للتجريب الآن لأن الفعل الحقيقي لتقليص عدد اعضاء مجلس الوزراء يقضي وجود خطة لإعادة هيكلة الوزارات وعدد من المؤسسات المستقلة بالدمج وليس ان يكون الوزير زوجا لاثنتين في بيتين مستقلين والأمر يمكن أن ينجح الآن فقط لعدد محدود من الوزارات والمؤسسات.
الأهم هو الفكرة المقصودة من التعديل.. فالخشية هي الذهاب إلى تفكير ضيق الأفق فني الطابع يهتم ابتداء بالكفاءة وينتهي كالعادة إلى مراعاة الجهوية والمحسوبيات المعروفة فيتمخض الجبل فيلد فأرا! وتضيع الفرصة الحقيقية المتوخاة من التعديل وهو توفير دعائم سياسية تجعل من الحكومة حكومة انقاذ وطني تمثل التيارات السياسية الحزبية والاجتماعية الرئيسة في البلاد عبر شخصيات سياسية قيادية تحمل رصيدا من السمعة الحسنة والقدرات القيادية. الرئيس بحاجة الى تعديل يضم ما لا يقل عن 6 شخصيات سياسية من الإسلاميين والوسطيين واليساريين لاعطاء الحكومة صفتها كقيادة وطنية لقيادة المرحلة وانجاز البرنامج المطروح ابتداء بقانون ضريبة الدخل وانتهاء بحزمة الإصلاح السياسي.
الغد - الجمعة 5/10/2018