الحق في الفلسفة
ما هو الحقُّ في الفلسفة؟ وهل يمكن أن يكون مثلَ الحقّ في الحب والرعاية والمأوى واللغة والعمل وحرية التعبير... وغيرها من الحقوق التي نادت بها الشرائع الإنسانية والدوليّة؟ باختصار، الحق في الفلسفة هو الحقّ في تعلّمها وفي استعمالها وفي إنتاجها. وكيفَ يكونُ ذلك؟ ولم غدت الفلسفةُ حقّاً في قول فلاسفة اليوم ومفكري العصر؟ وما هي طبيعةُ هذا الحقّ؟
تعني الفلسفةُ في هذا السياق استعمالَ العقل البشريّ في مبتدَأ تفعيله، وهو السؤال الذي هو مفتاحُ المعرفة. فلا معرفة من دون فضول السؤال، وكلُّ فضولٍ في التعلّم حقٌّ مشروع للفرد. ولِمَ هو حقٌّ؟ لأنه لا يمكنُ أن يحدثَ تعلّمٌ من دون استخدامِ العقل الذي هو مصنعُ الأسئلة وملعبُ الإجابات المحتمَلَة.
وعندما نقول (تعلّم) فنعني التعلُّمَ الإبداعيَّ البعيد عن الحفظ والتلقين. فالحقُّ في الفلسفة في جوهره هو حقٌّ في التعليم وحقٌّ في إنتاج المعرفة وحقٌّ في المساهمة في إعمار العالم.
فلقد أرانا الواقعُ كيف تسقطُ الأمم بينما أجيالُها تتحوّلُ إلى ببغاواتٍ تعيدُ ما تحفظ على أنه في صورة الحلِّ للأزمات وفي صورةِ النهوضِ المزيَّف.
لا ينضوي تعليم الفلسفة على تاريخِها وأعلامها فحسب، بل على تعليم التفكيرِ الناقد منذ أول ساعةٍ يلتحقُ فيها الطفلُ بالمدرسة. فمن لا يقبلُ لطفله أن يتعلّم كيفَ يحاكمُ الفكر المجتمعيّ الذي يؤمنُ بجنٍّ تتلبَّسُ البشرَ بدلَ أن يكون الكشفُ عنهم سريرياً سبيلَهم إلى العلاجِ بالدواء؟ ومن لا يريد لطفلته أن تتبيّنَ موقعها من الحياةِ باحترام إنسانيّتها، بدلَ أن تكون فرداً في قطيع، أو شيئاً من ممتلكات؟ ومن يقبل لنفسه أن يكون عالةً على تراثِ النقلِ والاتّباع، بدل الوثوقِ بقدرة العقل على حلِّ المشاكلِ والإبداع؟
هناك في العالم المنتجِ والفعّال، وبالتالي خادم البشرية بمنجزات العلم، يتعلّمُ الطفل التفكير وتُصقَل مهاراته، ويُترَك له بابُ السؤالِ مُشرَعاً ليقودَه إلى الاختراع وإيجاد الحلول، والبحثِ في وسائل النهوض والتقدّم واستمرار التقدّم. هناك ثقافةٌ تضمنُ له الحقَّ في الفلسفة والتفلسفِ، كحقِّه في الغذاء والبيت والمعرفة، وهي أمورٌ لا تضمنها إلا دولة الحقِّ والقانون.
فلننظرْ موقعنا من الفلسفة وتعليمها، حتى نحدّد مكاننا من المساهمة في خدمة البشريّة وفي خدمة أجيالنا وأوطاننا، وفي تطوير منظومتنا التربوية المتآكلة؛ مُدخَلاتٍ ومُخرَجات.
دعونا لا نفقد الأمل!
الغد - الثلاثاء 9/10/2018