يوم عظيم بتاريخ الأردن
لن يكون يوم الأحد يوما عاديا بتاريخ الأردن والأردنيين بكل المقاييس، وسيسجل يوما عظيما أعلن فيه الملك عبد الله الثاني ابن الحسين عن استعادة الباقورة والغمر من الاحتلال الاسرائيلي، وإلغاء ملحقي تأجيرهما لهذا الكيان العدواني، في انسجام وتماه وطني مفعم بالكبرياء بين القائد وشعبه.
سنحتفل ونشيد ونرفع رأسنا عاليا بهذا القرار الملكي الأردني الوطني الذي يؤرخ لاستعادة قطعة من الروح من بطن العدو لحضن الوطن، وسنعده، بل هو كذلك وربما أكثر، كيوم تعريب قيادة الجيش الأردني وإلغاء المعاهدة مع بريطانيا، الذي دشن يومها لاستقلال حقيقي للقرار الوطني وأكمل استقلال المملكة المعلن في 1946.
عندما وقع الأردن اتفاقية وادي عربة مع العدو التاريخي، ماضيا ومستقبلا، العام 1994، لم يتنازل عن حقه باستعادة الباقورة والغمر ورضي بتأجيرها لخمسة وعشرين عاما لأن موازين القوى الموضوعية كانت مختلة مع هذا العدو. نعم ما تزال هذه الموازين موضوعيا مختلة لصالح العدو بل وهي اليوم أكثر اختلالا وبؤسا على المستوى العربي، لكن المختلف اليوم هو أن هذا الميزان عاد ليستند إلى عنصر القوة الأهم، وهو الذاتي، حيث التأييد الشعبي العارم لاستعادة الأرض والسيادة كاملة غير منقوصة.
ليست عظمة يوم الأحد وإعلان الملك بدء استعادة الباقورة والغمر نابعة من أهمية واستراتيجية قرار إلغاء ملحق التأجير لقطعتين عزيزتين من أرض الوطن الأعظم، على أهمية هذا القرار وعظمته، بل أيضا هو يوم عظيم لأنه يؤرخ لمعادلة وطنية جديدة تكرس بوعي الشعب الأردني وحكمة قيادته مرحلة جديدة من الشراكة بالقرار السياسي والوطني، تعيدنا لأحلى ما في هذا الوطن من انسجام ووحدة وطنية وتلاحم شعبي مع قيادته الهاشمية، ضمانا للأمن والاستقرار والمراكمة في الإنجازات الوطنية.
ثمة فساد واختلالات عديدة في بلدنا، وثمة مسؤولون لا يتقون الله فينا ولا في مسؤولياتهم، وثمة فقر وجوع وبطالة وتعثر في التنمية.. وثمة وثمة الكثير مما يقال وقيل، لكن عظمة هذا الوطن أن فيه شعبا واعيا لا يضيع بوصلته الوطنية ولا حرصه على بلده واستقراره، حتى وهو يعارض ويتصدى للفساد والاختلالات، كما أن عظمته وسر استقراره وجلده على معاندة التحديات يتأتى أيضا من رؤية قيادته التي تستطيع التقاط اللحظة وتندمج مع الناس ومطالبهم وتوقهم للحرية والكرامة والشراكة بالقرار.
يحق لنا كأردنيين أن نحتفل وأن نفتخر بهذا اليوم والقرار الوطني العظيم، رغم كل تحفظاتنا على الكثير من السياسات الحكومية وشكوانا من تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والسياسية. هو يوم من أيام الوطن لم يعن فقط عودة قطعة من الروح لجسد الوطن الحبيب، بل هو أيضا يوم اندمجت فيه القيادة الهاشمية مع شعبها ومطلب رئيسي له رغم مراهنة اسرائيل وربما غيرها على عدم قدرة الأردن، وهو الذي يعاني اقتصاديا ومن الحلفاء، على الإقدام على هذه الخطوة الوطنية الكبيرة، التي سيكون لها ما لها بقادم الأيام.
نعلم أن المطلب والحلم الرئيسي لكل الأردنيين سيبقى إلغاء اتفاقية وادي عربة مع عدو لم ولن يلتزم بسلام ولا حقوق، وسيبقى الحلم بتحرير فلسطين من رجس الاحتلال هو الأساس، لكن استعادة الباقورة والغمر ستبقى قرارا استراتيجيا ووطنيا عظيما، يؤسس لنسف أسس معادلة مختلة ومشوهة ترسخت مع العدو الاسرائيلي على مدى سنوات "وادي عربة"!
الغد - الاثنين - 22-10-2018