الاعتذار لا يكفي!!
لا أحد ينكر شهامة الأردني واستعداده للمساعدة والتطوع والقيام بكل ما يمكن من أجل إسعاف وإعانة المأزوم أيا كانت الأزمة ومهما كانت مهارات المتطوع وقدراته. الأصول التاريخية والثقافية لهذا الميل متأصلة في الطبيعة الإنسانية ومتجذرة في الثقافة العربية ودعمها الدين والأخلاق وسلوك الأوائل والصالحين.
وفي المقابل، تفتقر المؤسسات والتنظيمات الحداثية الى الخطط والبرامج التي تساعدنا على التعاطي مع الأزمات والكوارث وحماية الإنسان والممتلكات من أخطارها وآثارها الآنية والمستقبلية التي قد لا تختفي طوال حياة الأفراد.
الكوارث حوادث طبيعية أو من صنع الإنسان نادرة الوقوع وبالغة التأثير يصعب على الجماعة أو المنظمة أو حتى الرد مجابهتها بإمكانياتهم الاعتيادية، الأمر الذي يستدعي التخطيط المسبق والاستعانة بموارد وقدرات أخرى للوقوف في وجه الكارثة.
خلال الأيام الثلاثة الماضية، عانى الأردنيون من آثار كارثة طبيعية أدت الى وفاة أكثر من عشرين طفلا وإصابة ما يزيد على ثلاثين طفلا وبالغا بإصابات متفاوتة. الرسميون والأهالي والإعلام وتشكيلات المجتمع الأردني كافة عبروا عن صدمتهم وحزنهم وغضبهم لما حدث.
الجهود التي بذلتها المؤسسات وأوجاع الأسر المنكوبة وتفصيلات الرحلة المدرسية وتعليمات التربية والتعليم وجاهزية المواقع السياحية وشروط السلامة العامة وحجم المعلومات الإرشادية المتوفرة ومدى الالتزام بها كانت مواضيع للحوار والنقاش وتبادل الاتهامات بين الأطراف احتلت مساحات واسعة على وسائل الإعلام الرسمي ووسائل التواصل الاجتماعي.
الصدمة النفسية التي هزت كيان الأطفال المصابين وأسر الضحايا وزملاءهم في المدرسة وكل المعارف والأصدقاء ستترك آثارها الأبدية على الجميع. لم يخطر ببال أحد من اليافعين الذين شاركوا في الرحلة المدرسية أو أهاليهم أن يتحول يومهم الى صراع مع طوفان يفوق في وحشيته كل مشاهد الموت التي حملتها ألعابهم الإلكترونية التي ركنوها لحين انتهاء عامهم الدراسي.
الشارع الأردني اجتاحه الغضب على كل من سمح ويسر وأدار الرحلة أو تأخر في تقديم الحماية والعون للأطفال الذين ظنوا أنهم يتحركون في بيئة يسودها الأمن والأمان. الغضب الشعبي حمل أسئلة جوهرية حول نوعية الخدمات وأدوار القائمين على التعليم والطرق والنقل والسياحة.
الآباء والأمهات الذين فقدوا فلذات الأكباد يتساءلون ومعهم ملايين المواطنين عن الأسباب التي أدت الى حدوث الكارثة والفعالية التي تحلت بها الأجهزة في إدارتها. بعيدا عن التزاحم على من يستحق الثناء ومن أبلى بلاء حسنا يتولد في أذهان الجميع سؤال واحد: هل كان بالإمكان تلافي هذه الكارثة؟
هل وظفت السياحة والأرصاد والدفاع المدني المعرفة المتوفرة حول خطورة هذا المقطع من جغرافيا البحر الميت على أرواح وسلامة من يرتادون هذا المكان في مثل هذه الظروف؟ وما الذي كان من الممكن القيام به لدرء هذه الكارثة الإنسانية؟ ومن يملك سلطة إدارة هذا المكان وما هي الأدوار التي ينهض بها أم أن المكان بلا سلطة؟
الآباء والأمهات الذين فقدوا أحباءهم لا ينتظرون أعذارنا وحججنا الباهتة بل يودون الشعور بالعدالة التي لا تتحقق إلا بمعرفة من هو المسؤول عما حدث؟ ومن كان بمقدوره وقف حدوثه ولم يفعل؟ وهل حل بهذا الشخص أو الأشخاص العقاب العادل عندها يمكن أن تبرد بعض من نيران الغضب وعندها نكون في دولة القانون والمؤسسات وبغير ذلك سيبقى الأمر ضحكا على الذقون.
الغد - الاحد 28-10-2018